كلمة دولة الرئيس نورى كامل المالكى رئيس وزراء جمهورية العراق
صفحة 1 من اصل 1
كلمة دولة الرئيس نورى كامل المالكى رئيس وزراء جمهورية العراق
كلمة دولة الرئيس نورى كامل المالكى رئيس وزراء جمهورية العراق
كلمة دولة الرئيس نورى كامل المالكى رئيس وزراء جمهورية العراق
29/03/2012
بسم الله الرحمن الرحيم
(واعتصموا بحبل الله جميعا ولاتفرقوا وأذكروا نعمة الله عليكم أذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا )
صدق الله العلي العظيم
السيدُ رئيسُ القمةِ العربيةِ
أصحابَ الجلالةِ والفخامةِ والسمو
السيدُ الأمينُ العامُ لجامعةِ الدولِ العربية
السيد الأمين العام للأمم المتحدة
السيد الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي
السيدات والسادةُ الحضورُ الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يسعدني أن أرحبَ بكم بإسمي ونيابةً عن حكومة جمهورية العراق وشعبه في بلدكم
الثاني - العراق - وهو يحتضنُ القمةَ العربية في دورتِها العاديةِ
الثالثةِ والعشرين في بغداد ، موطن العلم والحضارة ، والخير والمحبة
والسلام ، التي تعتز بحضورالزعماءِ والقادةِ العرب .
إننا ننظر إلى إنعقاد مؤتمر القمة العربية في هذا الظرف الحساس الذي تمر به
أمتُنا العربية ، بأنه يمثل فرصةً تأريخيةً للوقوف على التطوراتِ الكبيرة
التي تمرُّ بها منطقتُنا العربية وما تشهده من تحولاتٍ سياسيةٍ وإجتماعيةٍ
وإقتصادية ٍ تستوجبُ منا جميعاً مراجعةً دقيقةً ومتأنيةً لسير الأحداث ،
والإتفاق على رؤيةٍ مشتركةٍ تضمنُ مصالحَ بلداننا وشعوبنا وأمنها
وإستقرارها ، وتعززُ فرصَ التعاون في المجالات المختلفة .
اخوتي الكرام :
إن القمةَ العربية التي تعقد اليوم في بغداد تمتازُ بأهمية إستثنائية في
تأريخ الدول العربية وشعوبها، إنها خصوصية الزمان ورمزية المكان ، فمن حيث
الزمان ، تعقد القمة العربية في مرحلة هي من أصعب المراحل التي تمر بها
الدول العربية وأخطرها وأدقها في تأريخها الحديث ، فالإنتفاضاتُ العربيةُ
لم تعد شأنا داخليا أو حتى إقليميا منذ إنطلاقِ شرارتِها الأولى في تونس
العزيزة على قلوبنا جميعاً وما أعقبها من إنتفاضاتٍ ، وما قد يحدث في دول
أخرى.
أما رمزيةُ المكان ، فقد كان حلماً مستحيلاً ، أيها الأشقاءُ ان نلتقيَ
بكم - هنا في بغداد - حتى قبل أقل من ثلاث سنواتٍ ، حيث كانت بغدادُ مدينةَ
أشباحٍ ، مؤسساتُها معطلةٌ وجامعاتُها ومدارسُها مهجورةٌ ومساجدُها
وكنائسُها مدمرةٌ وشوراعُها مقطعةٌ وأحياؤها معزولةٌ ومستشفياتُها تغصُّ
بالشهداء والجرحى .
ولم يكن حال باقي المحافظات بأحسنَ من بغداد ، فقد أعلنت القاعدة
والجماعات المسلحة المتطرفة عن قيام دولتهم اللاإسلامية وإماراتهم في عدد
من المحافظات التي إنقطعت صلتها بالعاصمة وباقي المحافظات . وبدأت القاعدة
بتطبيق رؤيتها المتخلفة للدين الإسلامي الحنيف بتكفير المواطنين وفرض
الأحكام الجائرة وجباية الضرائب وإبتزاز مؤسسات الدولة وممارسة أعمال القتل
والتهجيرالقسري .
لقد طوينا تلك الصفحةِ المظلمةِ بالهمةِ الوطنيةِ العاليةِ للعراقيين ، من
جميع مكوناتِهم ومذاهبِهم وطوائفِهم الذين وقفوا وقفةَ رجلٍ واحدٍ إلى جانب
القوات والأجهزة الأمنية في التصدي للمنظمات الإرهابية والقضاء على
شبكاتها التدميرية وإماراتها الشيطانية في ملحمة بطولية كان عنوانها -
العراق أولاً- مستندين في ذلك إلى خلفية حضارية وإرث إنساني عظيم ،
ويتحركون بمشروع إستراتيجي وطني هو المصالحة الوطنية ،التي كانت أقوى من
السلاح في معركتنا مع الإرهاب ، وهو مشروع تكاملي لن نتوقف عن العمل به
والإستمرار في تفعيله وتطويره ، ولاندعي اننا قد أنجزنا هذه المهمة الصعبة ،
لكننا وبكل تأكيد، قد قطعنا شوطا مهما في طريق تحقيق هذا الهدف السامي
الذي أعلنا منذ البداية أنه قاربُ نجاةِ العراقيين .
وليس مبالغةً القولُ: إنّ نجاحَنا في تجربةِ المصالحةِ الوطنيةِ ، يمكن أن
يكون أنموذجاً يحتذى به في الدول العربية التي تعاني من أعمال العنف
والصراع ، مع إدراكنا بعدم إمكانيةِ استنساخِ التجارب ، لكنّ الثابتَ
والأكيدَ لدينا هو أنّ المصالحةَ الوطنيةَ هي إحدى أهم الخيارات التي
لايمكن الإستغناء عنها في معالجة الأزمات ، فالخيارات الأمنية والعسكرية
وحدها لن تزيد الأزمات إلا تعقيداً وتفاقماً، وان نظرية حكم الحزب الواحد
أوالقومية الواحدة أوالطائفة الواحدة بالإعتماد على أجهزة الأمن
والمخابرات قد سقطت نهائياً ، وليس هناك ضمان لحرية الشعب
ورفاهيته سوى الإلتزام بالدستور والقانون .
أصحابَ الجلالةِ والفخامةِ والسمو
ان العراق الذي تصدى لتنظيم القاعدة الإرهابي وعانى قبل الآخرين من فتنته
الكبرى ، يحذر ومن منطلق الحرص على أشقائه ، من أن تركب القاعدة والجماعات
المسلحة موجة الإنتفاضات العربية ، كما ركبت موجة المطالب العادلة للشعب
العراقي وشوهتها ، حينها سيفاجأ المناضلون من أجل الحرية والتعددية
والعدالة بأن الجماعات المتطرفة قد سرقت ربيعَهم وأحلامَهم وأمانيهم ،
وشوهت المبادئ الكبيرة التي كافحوا من أجلها كما شوهت صورة الإسلام العظيم
والقيم والمبادئ الوطنية ، لقد سالت دماء غزيرة وعزيزة علينا تحت لافتة
مقاومة الإحتلال ، حتى بلغ عدد الشهداء من المدنيين الأبرياء عشرات الآلاف ،
وهم ليسوا قوات احتلال ولا متعاونين معها .
ومن هذه المفارقة الكبرى ، فإن القاعدة وحلفاءها هم المتضرر الأكبرمن
صناعة الإنجاز التأريخي المتمثل بإنسحاب القوات الأجنبية من العراق ، بعد
أن ثبت للجميع بأن خيار المفاوضات الذي اعتمدته حكومة الوحدة الوطنية بوصفه
خياراً إستراتيجياً ، كان وراء عملية الإنسحاب الكامل للقوات الاجنبية ،
وهو ما يعدُّ إنجازا لجميع العراقيين وليس لحزب أو طائفة أو قومية أو
للحكومة فقط ، كما ان التنظيمات الإرهابية ، كانت هي الخاسر الأول من
تنفيذ عملية الإنسحاب الذي أفقدها مبررات كانت تغطي بها على الجرائم
والمجازر التي إرتكبتها بحق جميع أبناء الشعب العراقي بدوافع طائفية .
ومن خلفيةِ معاناتِنا القاسيةِ من فتنةِ القاعدةِ والمتطرفين الذين جروا
البلاد إلى إستقطاب طائفي دفعنا بسببه أنهاراً من الدماء والدموع وحصدنا
دماراً هائلاً في البنى التحتية ، نحذرُ من ان ينتقلَ هذا الإستقطاب
الطائفي إلى الدولِ العربيةِ وعمومِ المنطقة الذي نعتقدُ جازمين أنه سيكون
أخطرَ بكثير من جميع الصراعات والمحاور والإصطفافات القومية واليسارية التي
عاشتها المنطقة على مدى العقود الماضية ، وسوف نضع بلداننا بين خياري
الحرب الأهلية والتقسيم ونصنع أكثر من سراييفا وسربرنستا ، وأكثر ما نخشاه
هو أن تحصلَ القاعدةُ بعد هزيمتها في العراق على أوكارٍ جديدةٍ في الدول
العربية التي شهدت تحولاتٍ مهمةٍ وهي لاتزال في طورِ استكمالِ بناءِ
مؤسساتِ الدولةِ السياسيةِ والأمنية .
أيها الأشقاءُ الأعزاء :
قبل تحقيق هذين الإنجازين - القضاء على الفتنة الطائفية وإنسحاب القوات
الأجنبية - إنتصرت أصابعُ العراقيين البنفسجيةُ على السياراتِ المفخخةِ
وفتاوى التكفيرِ والقتلِ في خمسِ دوراتٍ إنتخابيةٍ حين زحفَ الناخبون من
الشيوخ والرجال والنساء إلى صناديق الإقتراع ليصنعوا تأريخاً جديداً يليق
بهم وبإرثهم الحضاري العريق ، وكانت كلُ دورةٍ انتخابيةٍ ملحمةً كبرى في
مواجهة الذين يريدون العودةَ بالبلاد إلى عهودِ الظلامِ والإستبدادِ
والدكتاتوريةِ ،ونجحنا في إقامةِ نظامٍ ديمقراطيٍ تعددي إتحادي يحتكم فيه
الجميعُ إلى الدستور والقانون ، وهي تجربةٌ ، لاشك في انها تحتاج إلى مزيدٍ
من الوقتِ لترسيخِها وتطويرِها كما هي تجاربُ الشعوبِ في الدولِ المتقدمةِ
، ولا ننكرُ وجود مشكلاتٍ في تجربتنا الجديدة تبرز بين حينٍ وآخر، لكنّ
القوى السياسيةَ أثبتت قدرتَها على حلها من خلال الحوار السلمي والإحتكام
إلى الدستور ، وقدمنا دليلاً قوياً على نجاحنا في عملية التداول السلمي
للسلطة في ثلاثِ حكوماتٍ متعاقبةٍ .
ونشعر بثقةٍ تامةٍ أن تجربتنا الصعبة في عملية بناء النظام الديمقراطي بعد
عقود من الدكتاتورية تستحق الدراسة من الدول العربية الشقيقة التي تتشابه
ظروفُها ومشكلاتُها وظروفُ العراق ، مع تأكيدنا أن تجاربَ الشعوب لايمكنُ
إستنساخُها ، إنما يستفادُ منها حين تكونُ غنيةً ونابعةً من معاناةٍ طويلةٍ
.
ان الدولَ العربيةَ مطالبةٌ اليوم بالإتفاقِ وقبلَ فوات الأوان على رؤيةٍ
جديدةٍ للعلاقات فيما بينها بما يتناسب مع التحولات الكبيرة التي تشهدُها
المنطقةُ في المجالاتِ السياسيةِ والإجتماعية والثقافية والأمنية . وإن
غياب مثل هذه الرؤية سيضعنا جميعاً أمام منعطفاتٍ حادةٍ يصعبُ على أيةِ
دولةٍ مهما كانت إمكانياتُها أن تتعاطى بشكل منفرد مع هذه التحولات
والمتغيرات المتشابكة .
اننا نريد ربيعاً حقيقياً ودائماً للشعوب العربية التي عانت طويلاً من
الدكتاتورية والإستبداد وسياسات التهميش والإقصاء ، كما ندعم بقوةٍ مطالبَ
أشقائنا في جميع الدول العربية في الحرية والديمقراطية والعدالة دون أي
تمييز لقوميةٍ أو مذهب أو طائفة وبعيداً عن سياسة الإنتقائية في التعاطي مع
قضية الحريات العامة ، وهي سياسةٌ نعتقد انها ستلحقُ ضرراً فادحاً على
المدى البعيد بدولنا وشعوبنا وإستقرار المنطقة .
ويخشى العراقُ من محاولاتِ عسكرةِ الإنتفاضاتِ العربيةِ التي تخرجها من
إطارها الصحيح وتضعها في الموقع الخطأ ، فبدلاً من أن تكونَ الإنتفاضةُ
ظاهرةً مدنيةً حضاريةً تتناسب مع تطلعات وآمال شعوبنا ، تتحول إلى صراع
عسكري بين جيوش ومتظاهرين مطالبين بحقوقهم ، تكون الشعوب هي الخاسر الأول
فيها ، وتؤدي الى تعمق الخلافات السياسية بين الدول العربية .
وعلى هذا الأساس ، فقد أعلنا منذ بداية إندلاع الأزمة في سوريا اننا نرفضُ
الخيارَ الأمني في التعاطي مع مطالبِ الشعب السوري في الحريةِ
والديمقراطيةِ والتعدديةِ السياسيةِ حتى لانرى قوافل الضحايا من السوريين ،
مدنيين وعسكريين ، كما دعونا قوى المعارضةِ السوريةِ والنظامِ الى أن
لاينزلقا إلى الخيار العسكري ، لأنه سيؤدي في نهاية المطاف إلى تفاقم
الصراع وزج البلاد في اتون الحرب الأهلية ، إن المسؤوليةَ التأريخيةَ
والأخلاقيةَ تحتم علينا جميعاً أن نعملَ على تطويقِ أعمالِ العنف ومحاصرةِ
النار المشتعلةِ في سوريا والضغطِ على طرفي الصراع وصولاً إلى الحوار
الوطني الذي نعتقد أنه الخيار الأسلم لحل الأزمة السورية .
ومن خلال تجربتنا في العراق نرى أن خيار تزويد طرفي الصراع بالسلاح ،
سيؤدي إلى حروب بالنيابة ، إقليمية و دولية على الساحة السورية ، كما ان
هذا الخيار سيوفر الأرضية المناسبة للتدخل العسكري الأجنبي في سوريا ،
مايؤدي الى إنتهاك سيادة دولة عربية شقيقة ، وهو ماعانى منه الشعب العراقي
بسبب سياسات النظام الدكتاتوري .
ونقول بوضوحٍ إننا لانؤيد إستدعاء القوات الدولية أو الإقليمية للتدخل
العسكري في الشأن السوري او غيره، لكننا في الوقت نفسه ندعم جميعَ الجهود
التي من شأنها العملُ على إيقافِ العنف وإجراءِ الحوار الوطني بوصفه
الاختيار الوحيد لحل الأزمة في سوريا وباقي الدول العربية ، كما ندعم بقوة
جهود المبعوث المشترك السيد كوفي عنان لتطويق الأزمة وحلها سلمياً في
الإطار الوطني.
ومن خلفية المعاناة الطويلة والقاسية للشعب العراقي بسبب الخيارات الأمنية
والعسكرية التي اعتمدها النظام البائد في سياساته الداخلية والخارجية ، ومن
منطلق الحرص الشديد على مصلحة الشعب السوري الشقيق أولاً ، فإننا نجدد
الدعوة التي أعلناها في وقت سابق بأن الحوار بين الحكومة والمعارضة ، هو
الخيار الصحيح لمعالجة الأزمة السورية على ان تجري المفاوضات تحت إشراف
الجامعة العربية والأمم المتحدة لتشكيل حكومة وحدة وطنية تهيئ لإنتخابات
حرة ونزيهة وشفافة في ظل دستورجديد للبلاد يضمن للشعب السوري حياةً تنعمُ
بالحرية والعدالة والديمقراطية وللدولة السورية الأمن والإستقرار .
أصحابَ الجلالةِ والفخامةِ والسمو :
إن هويةَ العراقِ العربيةِ والإسلاميةِ ووحدتَه وسيادتَه وتنوعَه الديني
والمذهبي والقومي هي مصدرُ قوتِه وثرائِه ، وإن تمسكَ العراقيين من شتى
إنتماءاتهم بهويتِهم الوطنية هو صمام الأمان في مواجهة التحديات الكبيرة
التي تعرض لها العراق طيلة السنوات الماضية ، كما أن المشاركة الواسعة في
العملية السياسية عزّزت الوحدة الوطنية وأسهمت في بناء دولة المؤسسات التي
تحتكم إلى الدستور والقانون ، وان الأنموذج العراقي يمكن أن يكونَ أساساً
تعتمده الدول العربية الشقيقة التي يتعدد فيها التنوع الديني والمذهبي
والقومي في عملية بناء دولة المواطن وليس دولة الطائفة اوالقومية .
ان النظامَ الديمقراطي في العراق هو الضمانةُ الأكيدةُ لبناءِ مؤسساتِ
الدولةِ والمجتمعِ على أسسٍ سليمةٍ وعادلةٍ بعيداً عن سياسات التهميش
والإقصاء والتمييز التي عانى منها العراقيون على مدى العقود الماضية ، كما
انه يشكل منطلقاً لإقامة علاقات متوازنة مع الدول الشقيقة والصديقة وبما
يعزز فرص التطور والتنمية ويحفظ الأمن والإستقرار في المنطقة والعالم .
ويجددُ العراقُ دعوتَه لأشقائه للمشاركةِ في عمليةِ البناء والإعمار وإلى
حضورٍ دبلوماسي فاعلٍ لجميع الدول العربية وإستئناف فتح البعثاتِ
الدبلوماسيةِ العربيةِ في بغداد ، وتوسيعِ التعاونِ في المجالات السياسية
والأمنية والإقتصادية والثقافية والعلمية بما يُسهم في تعزيز التكاملِ بين
الدولِ العربية وحمايةِ مجتمعاتِنا العربية من آفاتِ الفقر والبطالة
والتخلف .
إن الأملَ يحدونا بأن يشكلَ حضورُ القادةِ العرب في بغدادَ بدايةَ عهدٍ
جديدٍ في العلاقات بين العراق وأشقائه ، والعلاقات العربية - العربية ،
ونتطلع إلى طيِّ صفحةِ الماضي وإزالةِ آثارِ سياسات النظام السابق التي
أحدثت شرخاً في علاقات العراق مع محيطه العربي والإقليمي والدولي ،
والإبتعادِ نهائيا عن سياسات المحاور والإصطفافات التي ألحقت ضرراً فادحاً
بالعراق والمنطقة مع حرصنا الشديد على التعاون مع أشقائنا في الجهود
المبذولة لإعادة هيكلية الجامعة العربية بما يحققُ المصالحَ العليا لدولنا
وشعوبنا وتفعيلَ دور الجامعة العربية ، إنطلاقاً من التزامِنا بقرارات
الجامعة العربية والإجماع العربي ، وإعتقادِنا الراسخ بأنّ وحدةَ الموقف
العربي هو السبيل الأمثل لمواجهة قضايانا المصيرية وفي مقدمتها قضيةُ الشعب
الفسلطيني التي نعتقد اننا اليوم بحاجة ماسة إلى وقفةٍ عربية جادة وقوية
للرد على الإعتداءات الإسرائيليةُ على المدنيين الأبرياء في قطاع غزةَ
وعمومِ الأراضي الفلسطينة وإستمرارِها في بناء المستوطنات ، وقد ادى
التعنت الصهيوني إلى إغلاق كل آفاق الحل لمشكلة فلسطين مما وضع المنطقة
امام كل الاحتمالات ، ولن يبق الصمت ممكناً إلى ما لا نهاية له على تجاوز
إسرائيل على الشعب الفلسطيني ومقدسات المسلمين والمسيحيين في القدس
والأراضي الفلسطينية.
فاننا ندعو المجتمع الدولي الى عدم الاهمال والتسامح مع السياسة
الاسرائيلية والتخلي عن سياسة الكيل بمكيالين ، كما نؤكد ان رغبتنا في
إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية ، ورغبتنا هذه لامعنى لها مع
بقاء إسرائيل مدججة بالسلاح النووي وتمردها على كل القرارات الدولية ،
وحمايتها رغم رفضها لعشرات القرارات الدولية .
أصحابَ الجلالةِ والفخامةِ والسمو :
إنطلاقا من رؤيتنا بأن الهدفَ الأساسي من إنعقاد القمة العربية هو تنميةُ
العلاقاتِ بين الدول العربية وتوفيرأفضل السبل لتطويرها، فإننا نرى ضرورةَ
تفعيل العلاقات الإقتصادية بين بلداننا لتكون جسراً للتواصل بين رجال
الأعمال وأصحاب الشركات والمستثمرين بما يسهم في زيادة التبادل التجاري ،
وتبادل الخبرات ، وتفعيل التواصل الشعبي من خلال المؤتمرات الأدبية
والثقافية والنشاطات الرياضية والمؤسسات الشبابية والفنية مع المشاركة
الفاعلة للمرأة العربية ومنظماتها ومؤسساتها، كما اننا مدعون للوقوف إلى
جانب أية دولة تتعرض لأزمة سياسية أو إقتصادية أو أمنية دون المساس
بسيادتها وان لانكون بديلاً عن إرادة شعبها ، وأن نعمل متضامنين في حل
مشكلاتنا في إطار مؤسساتنا وعدم فتح الأبواب أمام الآخرين ، لأن ذلك من
شأنه أن يزيد
في تعقيدها ، فضلاً عن كونه يمثل مصادرة للإرادة العربية . وندعو أيضاً إلى
بناء مؤسسات عربية جديدة تسهم إلى جانب المؤسسات القائمة في تنشيط الجامعة
العربية وتفعيل دورها في المحافل الدولية بما يحقق المصلحة العليا للشعوب
العربية.
نجدد ترحيبنا بكم أيها الأشقاء بين أهلكم ، سائلين الله العزيز القدير أن
يوفقنا جميعاً لما فيه خير شعوبنا وبلداننا ، انه سميع مجيب .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كلمة دولة الرئيس نورى كامل المالكى رئيس وزراء جمهورية العراق
29/03/2012
بسم الله الرحمن الرحيم
(واعتصموا بحبل الله جميعا ولاتفرقوا وأذكروا نعمة الله عليكم أذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا )
صدق الله العلي العظيم
السيدُ رئيسُ القمةِ العربيةِ
أصحابَ الجلالةِ والفخامةِ والسمو
السيدُ الأمينُ العامُ لجامعةِ الدولِ العربية
السيد الأمين العام للأمم المتحدة
السيد الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي
السيدات والسادةُ الحضورُ الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يسعدني أن أرحبَ بكم بإسمي ونيابةً عن حكومة جمهورية العراق وشعبه في بلدكم
الثاني - العراق - وهو يحتضنُ القمةَ العربية في دورتِها العاديةِ
الثالثةِ والعشرين في بغداد ، موطن العلم والحضارة ، والخير والمحبة
والسلام ، التي تعتز بحضورالزعماءِ والقادةِ العرب .
إننا ننظر إلى إنعقاد مؤتمر القمة العربية في هذا الظرف الحساس الذي تمر به
أمتُنا العربية ، بأنه يمثل فرصةً تأريخيةً للوقوف على التطوراتِ الكبيرة
التي تمرُّ بها منطقتُنا العربية وما تشهده من تحولاتٍ سياسيةٍ وإجتماعيةٍ
وإقتصادية ٍ تستوجبُ منا جميعاً مراجعةً دقيقةً ومتأنيةً لسير الأحداث ،
والإتفاق على رؤيةٍ مشتركةٍ تضمنُ مصالحَ بلداننا وشعوبنا وأمنها
وإستقرارها ، وتعززُ فرصَ التعاون في المجالات المختلفة .
اخوتي الكرام :
إن القمةَ العربية التي تعقد اليوم في بغداد تمتازُ بأهمية إستثنائية في
تأريخ الدول العربية وشعوبها، إنها خصوصية الزمان ورمزية المكان ، فمن حيث
الزمان ، تعقد القمة العربية في مرحلة هي من أصعب المراحل التي تمر بها
الدول العربية وأخطرها وأدقها في تأريخها الحديث ، فالإنتفاضاتُ العربيةُ
لم تعد شأنا داخليا أو حتى إقليميا منذ إنطلاقِ شرارتِها الأولى في تونس
العزيزة على قلوبنا جميعاً وما أعقبها من إنتفاضاتٍ ، وما قد يحدث في دول
أخرى.
أما رمزيةُ المكان ، فقد كان حلماً مستحيلاً ، أيها الأشقاءُ ان نلتقيَ
بكم - هنا في بغداد - حتى قبل أقل من ثلاث سنواتٍ ، حيث كانت بغدادُ مدينةَ
أشباحٍ ، مؤسساتُها معطلةٌ وجامعاتُها ومدارسُها مهجورةٌ ومساجدُها
وكنائسُها مدمرةٌ وشوراعُها مقطعةٌ وأحياؤها معزولةٌ ومستشفياتُها تغصُّ
بالشهداء والجرحى .
ولم يكن حال باقي المحافظات بأحسنَ من بغداد ، فقد أعلنت القاعدة
والجماعات المسلحة المتطرفة عن قيام دولتهم اللاإسلامية وإماراتهم في عدد
من المحافظات التي إنقطعت صلتها بالعاصمة وباقي المحافظات . وبدأت القاعدة
بتطبيق رؤيتها المتخلفة للدين الإسلامي الحنيف بتكفير المواطنين وفرض
الأحكام الجائرة وجباية الضرائب وإبتزاز مؤسسات الدولة وممارسة أعمال القتل
والتهجيرالقسري .
لقد طوينا تلك الصفحةِ المظلمةِ بالهمةِ الوطنيةِ العاليةِ للعراقيين ، من
جميع مكوناتِهم ومذاهبِهم وطوائفِهم الذين وقفوا وقفةَ رجلٍ واحدٍ إلى جانب
القوات والأجهزة الأمنية في التصدي للمنظمات الإرهابية والقضاء على
شبكاتها التدميرية وإماراتها الشيطانية في ملحمة بطولية كان عنوانها -
العراق أولاً- مستندين في ذلك إلى خلفية حضارية وإرث إنساني عظيم ،
ويتحركون بمشروع إستراتيجي وطني هو المصالحة الوطنية ،التي كانت أقوى من
السلاح في معركتنا مع الإرهاب ، وهو مشروع تكاملي لن نتوقف عن العمل به
والإستمرار في تفعيله وتطويره ، ولاندعي اننا قد أنجزنا هذه المهمة الصعبة ،
لكننا وبكل تأكيد، قد قطعنا شوطا مهما في طريق تحقيق هذا الهدف السامي
الذي أعلنا منذ البداية أنه قاربُ نجاةِ العراقيين .
وليس مبالغةً القولُ: إنّ نجاحَنا في تجربةِ المصالحةِ الوطنيةِ ، يمكن أن
يكون أنموذجاً يحتذى به في الدول العربية التي تعاني من أعمال العنف
والصراع ، مع إدراكنا بعدم إمكانيةِ استنساخِ التجارب ، لكنّ الثابتَ
والأكيدَ لدينا هو أنّ المصالحةَ الوطنيةَ هي إحدى أهم الخيارات التي
لايمكن الإستغناء عنها في معالجة الأزمات ، فالخيارات الأمنية والعسكرية
وحدها لن تزيد الأزمات إلا تعقيداً وتفاقماً، وان نظرية حكم الحزب الواحد
أوالقومية الواحدة أوالطائفة الواحدة بالإعتماد على أجهزة الأمن
والمخابرات قد سقطت نهائياً ، وليس هناك ضمان لحرية الشعب
ورفاهيته سوى الإلتزام بالدستور والقانون .
أصحابَ الجلالةِ والفخامةِ والسمو
ان العراق الذي تصدى لتنظيم القاعدة الإرهابي وعانى قبل الآخرين من فتنته
الكبرى ، يحذر ومن منطلق الحرص على أشقائه ، من أن تركب القاعدة والجماعات
المسلحة موجة الإنتفاضات العربية ، كما ركبت موجة المطالب العادلة للشعب
العراقي وشوهتها ، حينها سيفاجأ المناضلون من أجل الحرية والتعددية
والعدالة بأن الجماعات المتطرفة قد سرقت ربيعَهم وأحلامَهم وأمانيهم ،
وشوهت المبادئ الكبيرة التي كافحوا من أجلها كما شوهت صورة الإسلام العظيم
والقيم والمبادئ الوطنية ، لقد سالت دماء غزيرة وعزيزة علينا تحت لافتة
مقاومة الإحتلال ، حتى بلغ عدد الشهداء من المدنيين الأبرياء عشرات الآلاف ،
وهم ليسوا قوات احتلال ولا متعاونين معها .
ومن هذه المفارقة الكبرى ، فإن القاعدة وحلفاءها هم المتضرر الأكبرمن
صناعة الإنجاز التأريخي المتمثل بإنسحاب القوات الأجنبية من العراق ، بعد
أن ثبت للجميع بأن خيار المفاوضات الذي اعتمدته حكومة الوحدة الوطنية بوصفه
خياراً إستراتيجياً ، كان وراء عملية الإنسحاب الكامل للقوات الاجنبية ،
وهو ما يعدُّ إنجازا لجميع العراقيين وليس لحزب أو طائفة أو قومية أو
للحكومة فقط ، كما ان التنظيمات الإرهابية ، كانت هي الخاسر الأول من
تنفيذ عملية الإنسحاب الذي أفقدها مبررات كانت تغطي بها على الجرائم
والمجازر التي إرتكبتها بحق جميع أبناء الشعب العراقي بدوافع طائفية .
ومن خلفيةِ معاناتِنا القاسيةِ من فتنةِ القاعدةِ والمتطرفين الذين جروا
البلاد إلى إستقطاب طائفي دفعنا بسببه أنهاراً من الدماء والدموع وحصدنا
دماراً هائلاً في البنى التحتية ، نحذرُ من ان ينتقلَ هذا الإستقطاب
الطائفي إلى الدولِ العربيةِ وعمومِ المنطقة الذي نعتقدُ جازمين أنه سيكون
أخطرَ بكثير من جميع الصراعات والمحاور والإصطفافات القومية واليسارية التي
عاشتها المنطقة على مدى العقود الماضية ، وسوف نضع بلداننا بين خياري
الحرب الأهلية والتقسيم ونصنع أكثر من سراييفا وسربرنستا ، وأكثر ما نخشاه
هو أن تحصلَ القاعدةُ بعد هزيمتها في العراق على أوكارٍ جديدةٍ في الدول
العربية التي شهدت تحولاتٍ مهمةٍ وهي لاتزال في طورِ استكمالِ بناءِ
مؤسساتِ الدولةِ السياسيةِ والأمنية .
أيها الأشقاءُ الأعزاء :
قبل تحقيق هذين الإنجازين - القضاء على الفتنة الطائفية وإنسحاب القوات
الأجنبية - إنتصرت أصابعُ العراقيين البنفسجيةُ على السياراتِ المفخخةِ
وفتاوى التكفيرِ والقتلِ في خمسِ دوراتٍ إنتخابيةٍ حين زحفَ الناخبون من
الشيوخ والرجال والنساء إلى صناديق الإقتراع ليصنعوا تأريخاً جديداً يليق
بهم وبإرثهم الحضاري العريق ، وكانت كلُ دورةٍ انتخابيةٍ ملحمةً كبرى في
مواجهة الذين يريدون العودةَ بالبلاد إلى عهودِ الظلامِ والإستبدادِ
والدكتاتوريةِ ،ونجحنا في إقامةِ نظامٍ ديمقراطيٍ تعددي إتحادي يحتكم فيه
الجميعُ إلى الدستور والقانون ، وهي تجربةٌ ، لاشك في انها تحتاج إلى مزيدٍ
من الوقتِ لترسيخِها وتطويرِها كما هي تجاربُ الشعوبِ في الدولِ المتقدمةِ
، ولا ننكرُ وجود مشكلاتٍ في تجربتنا الجديدة تبرز بين حينٍ وآخر، لكنّ
القوى السياسيةَ أثبتت قدرتَها على حلها من خلال الحوار السلمي والإحتكام
إلى الدستور ، وقدمنا دليلاً قوياً على نجاحنا في عملية التداول السلمي
للسلطة في ثلاثِ حكوماتٍ متعاقبةٍ .
ونشعر بثقةٍ تامةٍ أن تجربتنا الصعبة في عملية بناء النظام الديمقراطي بعد
عقود من الدكتاتورية تستحق الدراسة من الدول العربية الشقيقة التي تتشابه
ظروفُها ومشكلاتُها وظروفُ العراق ، مع تأكيدنا أن تجاربَ الشعوب لايمكنُ
إستنساخُها ، إنما يستفادُ منها حين تكونُ غنيةً ونابعةً من معاناةٍ طويلةٍ
.
ان الدولَ العربيةَ مطالبةٌ اليوم بالإتفاقِ وقبلَ فوات الأوان على رؤيةٍ
جديدةٍ للعلاقات فيما بينها بما يتناسب مع التحولات الكبيرة التي تشهدُها
المنطقةُ في المجالاتِ السياسيةِ والإجتماعية والثقافية والأمنية . وإن
غياب مثل هذه الرؤية سيضعنا جميعاً أمام منعطفاتٍ حادةٍ يصعبُ على أيةِ
دولةٍ مهما كانت إمكانياتُها أن تتعاطى بشكل منفرد مع هذه التحولات
والمتغيرات المتشابكة .
اننا نريد ربيعاً حقيقياً ودائماً للشعوب العربية التي عانت طويلاً من
الدكتاتورية والإستبداد وسياسات التهميش والإقصاء ، كما ندعم بقوةٍ مطالبَ
أشقائنا في جميع الدول العربية في الحرية والديمقراطية والعدالة دون أي
تمييز لقوميةٍ أو مذهب أو طائفة وبعيداً عن سياسة الإنتقائية في التعاطي مع
قضية الحريات العامة ، وهي سياسةٌ نعتقد انها ستلحقُ ضرراً فادحاً على
المدى البعيد بدولنا وشعوبنا وإستقرار المنطقة .
ويخشى العراقُ من محاولاتِ عسكرةِ الإنتفاضاتِ العربيةِ التي تخرجها من
إطارها الصحيح وتضعها في الموقع الخطأ ، فبدلاً من أن تكونَ الإنتفاضةُ
ظاهرةً مدنيةً حضاريةً تتناسب مع تطلعات وآمال شعوبنا ، تتحول إلى صراع
عسكري بين جيوش ومتظاهرين مطالبين بحقوقهم ، تكون الشعوب هي الخاسر الأول
فيها ، وتؤدي الى تعمق الخلافات السياسية بين الدول العربية .
وعلى هذا الأساس ، فقد أعلنا منذ بداية إندلاع الأزمة في سوريا اننا نرفضُ
الخيارَ الأمني في التعاطي مع مطالبِ الشعب السوري في الحريةِ
والديمقراطيةِ والتعدديةِ السياسيةِ حتى لانرى قوافل الضحايا من السوريين ،
مدنيين وعسكريين ، كما دعونا قوى المعارضةِ السوريةِ والنظامِ الى أن
لاينزلقا إلى الخيار العسكري ، لأنه سيؤدي في نهاية المطاف إلى تفاقم
الصراع وزج البلاد في اتون الحرب الأهلية ، إن المسؤوليةَ التأريخيةَ
والأخلاقيةَ تحتم علينا جميعاً أن نعملَ على تطويقِ أعمالِ العنف ومحاصرةِ
النار المشتعلةِ في سوريا والضغطِ على طرفي الصراع وصولاً إلى الحوار
الوطني الذي نعتقد أنه الخيار الأسلم لحل الأزمة السورية .
ومن خلال تجربتنا في العراق نرى أن خيار تزويد طرفي الصراع بالسلاح ،
سيؤدي إلى حروب بالنيابة ، إقليمية و دولية على الساحة السورية ، كما ان
هذا الخيار سيوفر الأرضية المناسبة للتدخل العسكري الأجنبي في سوريا ،
مايؤدي الى إنتهاك سيادة دولة عربية شقيقة ، وهو ماعانى منه الشعب العراقي
بسبب سياسات النظام الدكتاتوري .
ونقول بوضوحٍ إننا لانؤيد إستدعاء القوات الدولية أو الإقليمية للتدخل
العسكري في الشأن السوري او غيره، لكننا في الوقت نفسه ندعم جميعَ الجهود
التي من شأنها العملُ على إيقافِ العنف وإجراءِ الحوار الوطني بوصفه
الاختيار الوحيد لحل الأزمة في سوريا وباقي الدول العربية ، كما ندعم بقوة
جهود المبعوث المشترك السيد كوفي عنان لتطويق الأزمة وحلها سلمياً في
الإطار الوطني.
ومن خلفية المعاناة الطويلة والقاسية للشعب العراقي بسبب الخيارات الأمنية
والعسكرية التي اعتمدها النظام البائد في سياساته الداخلية والخارجية ، ومن
منطلق الحرص الشديد على مصلحة الشعب السوري الشقيق أولاً ، فإننا نجدد
الدعوة التي أعلناها في وقت سابق بأن الحوار بين الحكومة والمعارضة ، هو
الخيار الصحيح لمعالجة الأزمة السورية على ان تجري المفاوضات تحت إشراف
الجامعة العربية والأمم المتحدة لتشكيل حكومة وحدة وطنية تهيئ لإنتخابات
حرة ونزيهة وشفافة في ظل دستورجديد للبلاد يضمن للشعب السوري حياةً تنعمُ
بالحرية والعدالة والديمقراطية وللدولة السورية الأمن والإستقرار .
أصحابَ الجلالةِ والفخامةِ والسمو :
إن هويةَ العراقِ العربيةِ والإسلاميةِ ووحدتَه وسيادتَه وتنوعَه الديني
والمذهبي والقومي هي مصدرُ قوتِه وثرائِه ، وإن تمسكَ العراقيين من شتى
إنتماءاتهم بهويتِهم الوطنية هو صمام الأمان في مواجهة التحديات الكبيرة
التي تعرض لها العراق طيلة السنوات الماضية ، كما أن المشاركة الواسعة في
العملية السياسية عزّزت الوحدة الوطنية وأسهمت في بناء دولة المؤسسات التي
تحتكم إلى الدستور والقانون ، وان الأنموذج العراقي يمكن أن يكونَ أساساً
تعتمده الدول العربية الشقيقة التي يتعدد فيها التنوع الديني والمذهبي
والقومي في عملية بناء دولة المواطن وليس دولة الطائفة اوالقومية .
ان النظامَ الديمقراطي في العراق هو الضمانةُ الأكيدةُ لبناءِ مؤسساتِ
الدولةِ والمجتمعِ على أسسٍ سليمةٍ وعادلةٍ بعيداً عن سياسات التهميش
والإقصاء والتمييز التي عانى منها العراقيون على مدى العقود الماضية ، كما
انه يشكل منطلقاً لإقامة علاقات متوازنة مع الدول الشقيقة والصديقة وبما
يعزز فرص التطور والتنمية ويحفظ الأمن والإستقرار في المنطقة والعالم .
ويجددُ العراقُ دعوتَه لأشقائه للمشاركةِ في عمليةِ البناء والإعمار وإلى
حضورٍ دبلوماسي فاعلٍ لجميع الدول العربية وإستئناف فتح البعثاتِ
الدبلوماسيةِ العربيةِ في بغداد ، وتوسيعِ التعاونِ في المجالات السياسية
والأمنية والإقتصادية والثقافية والعلمية بما يُسهم في تعزيز التكاملِ بين
الدولِ العربية وحمايةِ مجتمعاتِنا العربية من آفاتِ الفقر والبطالة
والتخلف .
إن الأملَ يحدونا بأن يشكلَ حضورُ القادةِ العرب في بغدادَ بدايةَ عهدٍ
جديدٍ في العلاقات بين العراق وأشقائه ، والعلاقات العربية - العربية ،
ونتطلع إلى طيِّ صفحةِ الماضي وإزالةِ آثارِ سياسات النظام السابق التي
أحدثت شرخاً في علاقات العراق مع محيطه العربي والإقليمي والدولي ،
والإبتعادِ نهائيا عن سياسات المحاور والإصطفافات التي ألحقت ضرراً فادحاً
بالعراق والمنطقة مع حرصنا الشديد على التعاون مع أشقائنا في الجهود
المبذولة لإعادة هيكلية الجامعة العربية بما يحققُ المصالحَ العليا لدولنا
وشعوبنا وتفعيلَ دور الجامعة العربية ، إنطلاقاً من التزامِنا بقرارات
الجامعة العربية والإجماع العربي ، وإعتقادِنا الراسخ بأنّ وحدةَ الموقف
العربي هو السبيل الأمثل لمواجهة قضايانا المصيرية وفي مقدمتها قضيةُ الشعب
الفسلطيني التي نعتقد اننا اليوم بحاجة ماسة إلى وقفةٍ عربية جادة وقوية
للرد على الإعتداءات الإسرائيليةُ على المدنيين الأبرياء في قطاع غزةَ
وعمومِ الأراضي الفلسطينة وإستمرارِها في بناء المستوطنات ، وقد ادى
التعنت الصهيوني إلى إغلاق كل آفاق الحل لمشكلة فلسطين مما وضع المنطقة
امام كل الاحتمالات ، ولن يبق الصمت ممكناً إلى ما لا نهاية له على تجاوز
إسرائيل على الشعب الفلسطيني ومقدسات المسلمين والمسيحيين في القدس
والأراضي الفلسطينية.
فاننا ندعو المجتمع الدولي الى عدم الاهمال والتسامح مع السياسة
الاسرائيلية والتخلي عن سياسة الكيل بمكيالين ، كما نؤكد ان رغبتنا في
إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية ، ورغبتنا هذه لامعنى لها مع
بقاء إسرائيل مدججة بالسلاح النووي وتمردها على كل القرارات الدولية ،
وحمايتها رغم رفضها لعشرات القرارات الدولية .
أصحابَ الجلالةِ والفخامةِ والسمو :
إنطلاقا من رؤيتنا بأن الهدفَ الأساسي من إنعقاد القمة العربية هو تنميةُ
العلاقاتِ بين الدول العربية وتوفيرأفضل السبل لتطويرها، فإننا نرى ضرورةَ
تفعيل العلاقات الإقتصادية بين بلداننا لتكون جسراً للتواصل بين رجال
الأعمال وأصحاب الشركات والمستثمرين بما يسهم في زيادة التبادل التجاري ،
وتبادل الخبرات ، وتفعيل التواصل الشعبي من خلال المؤتمرات الأدبية
والثقافية والنشاطات الرياضية والمؤسسات الشبابية والفنية مع المشاركة
الفاعلة للمرأة العربية ومنظماتها ومؤسساتها، كما اننا مدعون للوقوف إلى
جانب أية دولة تتعرض لأزمة سياسية أو إقتصادية أو أمنية دون المساس
بسيادتها وان لانكون بديلاً عن إرادة شعبها ، وأن نعمل متضامنين في حل
مشكلاتنا في إطار مؤسساتنا وعدم فتح الأبواب أمام الآخرين ، لأن ذلك من
شأنه أن يزيد
في تعقيدها ، فضلاً عن كونه يمثل مصادرة للإرادة العربية . وندعو أيضاً إلى
بناء مؤسسات عربية جديدة تسهم إلى جانب المؤسسات القائمة في تنشيط الجامعة
العربية وتفعيل دورها في المحافل الدولية بما يحقق المصلحة العليا للشعوب
العربية.
نجدد ترحيبنا بكم أيها الأشقاء بين أهلكم ، سائلين الله العزيز القدير أن
يوفقنا جميعاً لما فيه خير شعوبنا وبلداننا ، انه سميع مجيب .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
iraqnt- إدارة الموقع
رد: كلمة دولة الرئيس نورى كامل المالكى رئيس وزراء جمهورية العراق
تسلم ايدك على الاخبار
مزيد من مواضيعك الرائعه
تقبل مرورى المتواضع
مزيد من مواضيعك الرائعه
تقبل مرورى المتواضع
AhMeD.ShEkO- v.i.p في الشبكة
مواضيع ذات صلة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى