أرض الحرام .... قصة حقيقية
صفحة 1 من اصل 1
أرض الحرام .... قصة حقيقية
أرض الحرام ... قصة حقيقية
في احدى الليلي الحالكة السواد كلفنا باخلاء مجموعة شهداء في أرض الحرام في منطقة جبلية تخللها أودية وأراضي مفتوحة الى حد ما تحركت المدرعة وما كنا لنرى الطريق لولا استخدامنا النواظير الليلية تحركناعلى سفح الجبل ونحن نخاف أن ترصدنا نيران العدو وبينما كنا نتقدم قال لي أحمد سائق المدرعة بصوت خافت ينتابه الخوف : هل ترى ذلك السواد على الآرض ؟
قلت : نعم أرى شبح شخص ممد على الأرض فأقتربنا منه بهدوء وجعلناه وسط فتحة الهروب ثم رفعنا جثة الشهيد من يديه وأكتافه الى داخل المدرعة التي يزمجر صوتها عاليا" في سكون الليل ثم تقدمنا ببطىء نبحث عن بقية الشهداء وكانت أوامرنا تقتضي البحث وفق نطاق محدد وما هي الا لحظات قليلة وعثرنا على شهيدين أخرين فأستطعنا اخلائهما ثم واصلنا التقدم ونحن نسمع صوت رشقات من الأطلاقات والتناوير التي تظىء أرض الحرام وكنا نتوقف عن المسير لحين انطفائها حتى لايرصد العدو حركة المدرعة وبينما كنا نتقدم عثرنا على شهيد رابع وعندما انتهى الى المدرعة تلقينا الامر بالرجوع الى مقر الكتيبة وحقيقة قطعنا مسافة ليست بالقليلة وسط الظلام والخوف والتعرض لنيران العدو والكمائن والقتل بأي لحظة مسألة ليست بالهينة على أية حال .....
قلت : تحرك يا أحمد فقد انجزت المهمة ؟ وبدأت المدرعة بصوتها العالي بالتحرك والرجوع فأخرجت لفافة سكائر وقدمتها له وطبعا" الرجل لم يردها ولم ينطق بالشكر على عادته وأخرجت لفافة أخرى وسألته ... هل معك جداحة ؟
قال : لا
قلت : وكيف ندخن ؟ فجأة" ظهرت شعلة نار في المدرعة ؟ فضغط أحمد على دواسة الوقوف بقوة فتوقفت المدرعة بسرعة وتقىء الرجل من شدة الخوف ولم أستطيع أن أحرك رأسي أو ألتفت للوراء من شدة الخوف وهول الصدمة ؟
ومرت لحظات مخيفة مرعبة هل هذا الذي معنا جن أم بشر ؟ واستطعت التقاط أنفاسي والتفت واذا برجل جالس خلفنا وبيده جداحة مشتعلة وعلى ضوئها رأيت الجروح البليغة في جسمه .... سحبت أقسام بندقيتي وأنزلت الرجل من الباب الخلفي بالركلات واللكمات باليد والبندقية وأردت قتله لولا اعتراض أحمد وحجبه عني .. ثم بدأنا الرجوع نحو مقر الكتيبة وقريب الفجر وصلنا مقر الكتيبة ونقلوا الجريح نحو الوحدة الطبية لآسعافه والشهداء نحو الثلاجة طبعا" ........وذهبنا أنا وأحمد نحو الملجأ حيث كنا نعيش أيامنا التعيسة .. وبعد ساعات مضت أرسل الآمر بطلبي ... ففكرت _1_
ما الذي يريده الآمر المزعج الحاد الطبع مني ؟ فوصلت لغرفته وحرس الباب
أستأذن منه فدخلت فقال لي بصوت أجش : لماذا أشبعت الجريح ضربا" وأنت معروف" لدينا بالشجاعة والعقل قلت له سيدي انه تشبه بالميت ولم يصدر أي صوت عند رفعه واخلائه وقد جمدت دمائنا عندما شعل النار بالمدرعة ؟ لاحظت انه لم يعر أي اهتماما" لجوابي وقبل أن أتمم كلامي نادى الحرس وأمر بحبسي لآجل لم يحدده فأخذني الحراس نحو السجن فرأيت فيه سجينين لم أتعرف عليهما يوما فجلست وظهري الى الحائط وأنا أشتاط غيظا" وقلت لهما ان سمعت منكما صوتا" فنهايتكما تكون على يدي فضحك الآول مستهزئا" فنهضت وأخذت بيده وضربته بالحائط وبدأت أشبعه لكمات على وجهه وجسمه وبدأ بصياح عالي جدا"ولما رأى الثاني ما صنعت بصاحبه تسلق الباب ليصل الى فتحة التهوية محاولا" الهروب فلحقته وقبضت رجله وضربته بالآرض بقوة وبدأ بالصياح هو الآخر ولحظات واذا بالحراس ينقذوهما من بطشتي فأوثقوا يدي وأبلغوا الآمر بأني فقدت عقلي وبدأت بضرب السجناء بدون أي سبب فأمر بحبسي في سجن القلعة فلما أخذوني السجن لم أرى حراس أو أي مفرزة عسكرية لحمايته مجرد أن فتحوا باب القلعة دفعوني الى الداخل وأغلقوا الباب بالمزلاج وقالوا مستهزئين أوقاتا" طيبة وأنصرفوا تاركيني وحدي في السجن.... مرت ساعات النهار بطيئة ومملة تسائلت مع نفسي لماذا أنا وحدي في هذا السجن الكبير وعادة" تكون السجون مكتضة بالسجناء والحراس لماذا؟ أحسست بالغربة والوحدة وأخذتني ساعة الحنين الى أهلي وناسي حتى غربت الشمس قلت في نفسي أفضل شىء أفعله هو النوم حيث الليل وضوء القمر بدأ ينساب في القلعة ليضىء أطرافا منها وقلت في نفسي أفضل شىء أفعله الآن هو النوم فغمضت عيني وبدأت رحلتي مع النوم مرت لحظات الهدوء الممل وفجأة سمعت صوت طرق باب القلعة ثم تكرر طرقه ثانيا" فتعجبت حقيقة" وقلت في نفسي من يطرق الباب في هذه الساعة من الليل هل هم الحراس ؟ هل الآمر أفرج عني ؟ هل سأذهب لجماعتي وأصدقائي ؟ فصحت بصوت عال من الطارق ؟ لماذا لا تدخل ؟ وفجأة" سمعت صياح وعويل وكلام غير مفهوم وضحك هستيري يسمع في جميع أرجاء القلعة وبدأت أسمع صفير وأصوات تقترب مني حيث أنا جالس قلت يا الهي أرحمني واحفظني مما أنا فيه يا رب يا رب ؟؟ وبعد لحظات هدئت الاصوات وقلت الحمد لله ومع كل هذا ولم أرى أي شىء ؟؟؟ وتسائلت من الذي أصدر كل هذه الاصوات من ؟ ومر الوقت علي وأنا أشعر بالبرد والجوع والخوف ولا أحد حولي لآتكلم معه ولآشعر بالآمان وبعد لحظات بدأت أسمع صيحات وبكاء وعويل نساء وأصوات لم أعهدها من قبل أصوات ركل أيواب القلعة والضرب على جميع الجدران وأصوات وأصوات ؟؟؟ وريح قوية تلامس جسدي ومعها أصوات مرعبة قلت أنا سأموت من خوفي لا محالة فمزقت قميصي وجعلت منه حشوات دفعتها في أذني وبقية القميص جعلته غطاء" على وجهي ومع شدة الخوف تذكرت تسبيحات أبي ودعائه بحفظنا وأمة الآسلام فبدأت أسبح بأسم الله العظيم وبالصلوات وقراءة أية الكرسي حتى صباح اليوم التالي ..... حين فتح باب القلعة واذا بجنود ينادونني بأسمي انهض عريف ابراهيم هل أنت بخير فصحت من ؟ من ؟ قالوا لاتخف هل تعرفنا من نحن ؟ قلت بصوت تعب و يرتجف : نعم قالوا جئنا لآخراجك من هذه القلعة المشؤومة فخرجت منها بقميص ممزق وحال يرثى له وقفت وكدت أسقط من شدة التغب والخوف فقال لي أحدهم : هل تعرف أن أربعة جنود سجنوا قبلك في هذه القلعة وهل عرفت مصيرهم ؟ قلت : لا
قال رئيس الحرس : اثنان منهم ماتوا من شدة الخوف ولآخران تجننوا تماما" والعجب انك في كامل قواك العقلية والحمد لله .
ثم تابع قوله ان هذه القلعة مسكونة بأرواح شريرة وجنون حدثنا عما رأيت وسمعت ؟
قلت : اني لم أرى شيئ" ولكن سمعت ما لا أحب أن أحدثكم به .
قالوا بالله عليك أن تحدثنا بالذي جرى قلت مستحيل .... ثم بدأنا نقترب شيئأ" فشيئا" لمقر الكتيبة فلما وصلنا تلقوني جماعتي بالتحية والمحبة وحمدوا الله على سلامتي فمكثت ساعات وأنا طريح الفراش لا أقوى على التكلم وكان أحمد يلازمني كظلي ويداريني في كل احتياجاتي والحقيقة أقول الكل كانوا يساعدونني وهذه من غيرة وشهامة أهلنا والحمد لله .....وبعد أيام أستعد قواي وتحسنت صحتي وظل سر القلعة معي ولم أبوح به لآحد ......... وبينما كنت مشغولا" أرسل الآمر بطلبي فدخلت عليه قريب المغرب وعلى ضوء خافت قال لي : ستخرج أنت وحضيرتك دورية قتالية في أرض الحرام وأياك والخطأ مفهوم أمامك ساعة من الآن وحتى الضياء الآول وترجعون أدراجكم وسأكون على أتصال معكم عبر اللاسلكي أنصرف ...
وبدأت فورا" بتهيئة الدورية بالامتعة السفرية والآسلحة والرمانات اليدوية وبدأنا بالتحرك ليلا" وكان الجو بارد جدا" مع رياح وزخات مطر خفيفة خرجنا مشاة" بالنزول من الجبل ومع مسيرنا برتل أحادي كل خلف الآخر وبعد نزولنا من الجبل افترقنا لمجموعات ثنائية وسمعت صديقي عماد يحدث شيرزاد : هل يتوقف المطر اليوم ؟ قال شيرزاد :لا أعتقد هذا ...وأعتقد أن الضباب سيكون كثيفا" يوم غد ... ثم بدأنا نسير بأرض مستوية وبينما نحن نسير اقتربنا من مقبرة قديمة يقول صديقي عماد كنت أسير وخلفي شيرزاد عبر المقبرة القديمة وكان ضوء القمر ينساب من بين الغيوم على القبور القديمة وكنت أشعر بقشعريرة البرد وتكاد يداي تجمد على قبضة البندقية وفجأة رأيت أمامي ظهور ثلاثة أشخاص فأمعنت النظر وأنبطحت بين القبور مسددا" بندقيتي نحوهم وفي هذه اللحظة التفت الى شيرزاد رأيته متخذا" وضع الانبطاح خلفي وبذلك تأكدت بأني ما أرى هو حقيقي وليس تهيئا" وهمست لشيرزاد هل ترى هؤلاء الرجال ؟ رد بصوت خائف : نعم أراهم من أين ظهروا؟ وكان الرجل يمشون ويبتعدون عنا لكن أشباح بلا أرجل ؟؟؟؟؟؟؟؟ فتمالكنا أنفسنا حتى غابوا عنا وبدأنا مواصلة المسير .... أما أنا فتسلقت راقما" مهما" ووصلت اليه قريب الفجر فأتصل بي الآمر وأمرني أن أسيطر على الراقم حتى تأتيني التعزيزات والرجال ...... وقبل الظهر كانت الدورية جميعا" على الجبل ... وبدأنا بحفر الخنادق القتالية واحاطة القمة بأكياس التراب شبيهة بسياج البيت وبدأ الطباخ بطبخ الغداء لنا وعددنا يتجاوز العشرون مقاتلا" . ... وبعد وجبة الغداء أحسست بالدفئ وجمع الجنود حطبا" وأحرقناه لنستمتع بدفئه ومرت ساعات النهار واستطعنا من بناء غرفة ومطبخ صغير وسقفناه بما معنا من أكياس وجذوع الشجر ليحمينا من المطر والبرد ........ والحقيقة كان الجنود قد أخذ منهم التعب مأخذا" كبيرا" قد نام قسم منهم والقسم الآخر نام بالمطبخ أما أنا فجلست بالقرب من النار خارج الغرفة وبدأ الليل يستر بظلامه الجبال والوديان والمخابر معي يحاول اللآتصال بالكتيبة .. وبينما كنا جلوسا" سألني المخابر ... ما الذي رأيته في القلعة ؟ فقلت: لا شىء .
قال : حسنا" ان كنت لا تريد أخباري هذا شأنك ولكن سأخبرك بشئ" عن نفسي.
قلت : ما الذي تريد قوله ؟
قال : أنا مخابر الآول في الكتيبة في أول يوم نقلي الى المقر نمت في وقت متأخر من تلك الليلة المشؤومة في ذلك المكان المشؤوم في ملجأ المخابرة عند سفح الجبل ولما أستيقظت صباحا" وجدت نفسي في المقبرة ؟؟ هل تصدقني أم لا ؟
قلت : كيف حدث هذا والمسافة ليست بقليلة ؟
قال : هذا ما حدث ؟ وأبلغت الآمر بما حدث وقال له غيري أن المقبرة تصدر منها أصواتا" غير معهودة صفير وصياح وعويل ذهب ضحيته أربعة من مقاتلينا فأخذ ومنها فهل علمت ذلك ؟
قلت :لا وبينما كان المخابر مسترسلا" بكلامه لاحظت ظهور ضوء خافت وعلى مسافة بعيدة من أسفل الجبال المقابلة لنا .. بدأت بمراقبة المكان وقلت في نفسي ربما يكون عابر سبيل أو مهرب بضائع أو من هذا القبيل ...... وبقيت أرصد بأمعان المكان والبرد بدأ يشتد وسط ظلام دامس وبعد لحظات ظهرت أضواء أخرى فقررت أخذ الحيطة والحذر فأمرت بحضور نصف القوة للواجب الليلي بعد أن نام الجند عدة ساعات وتفحصت استعدادهم وزعتهم على نقاط الحراسة وهممت بالنوم لآني كنت تعب جدا" فوضعت رأسي على الوسادة وبدلا" من النوم بدأت تراودني مخاوف وأسئلة ما نفعل ان هجم العدو علينا ؟ كيف اذا نفذ العتاد ؟ ما تلك الآضواء البعيدة ؟؟؟ بدأت التقلب بمضجعي ولم أعرف حتى طعم النوم ؟؟؟؟؟؟؟؟ الخوف والقلق والبرد لم يدعني أنام فقلت لآحمد وكان مستلقيا"
قلت أحمد : هل أنت راقد ؟
قال : ما تريد ؟
قلت : رأيت أضواء" على مسافات بعيدة منا ولكن أنا خائف لئلا تكون تحضيرات العدو للهجوم ؟
قال : بالله عليك دعنا ننام ليلتنا وأني لا أظن هناك أي هجوم محتمل فقد علمتنا التجارب استعدادات العدو للهجوم تتطلب وقتا" طويلا" وأنت تعرف هذا أفضل منا جميعا" أطلق عنانك للنوم فأنت أكثرنا تعبا" هذه الساعة ؟ فقلت في نفسي كلامه صحيح فقلت له : نعم حقيقة" أنا تعبان جدا" سأنام الآن تصبح على خير ...... وفعلا" أحسست بالراحة عندما نبهني عن استعدادات العدو وبأن احتمال الهجوم بعيد فنمت طول الليلة حتى قريب الفجر استيقظت ورحت أستطلع نقاط الحراسة فوجدهم جميعا" نيام ورأيت الجليد بدأ بالهطول ليكسي الوديان و قمم الجبال بساطا" أبيضا" فشعلت لفافة سكائر سومرية ودأت أدخن والهواء البارد يداعب وجنتي ويكاد يصل الى عظامي فراقبت مصدر الآضواء التي رأيتها قبلا" فلم أراها فقلت الحمد لله الذي سترنا من الهجوم فلما انثق الفجر كان كل شىء حولي أبيضا" والثلج بدأ تساقطه بغزارة فرجعت للغرفة وقد علا بياض الفجر والثلج على كل شىء وأيقظت مالك للحراسة فأنتبه الرجل الشرس لجعبته وبندقيته وانصرف للواجب فتمددت لآخذ قسطا" من الراحة وسحبت البطانيات على رجلي المتجمدتين وتطلعت عيناي لآكياس التراب وبناء الربية فقلت في نفسي متى تنتهي هذه الحرب اللعينة ويعم السلام على هذه الآرض والى متى ينقضي هذا العمر بين أكياس الرمل وبينما أنا كذلك انتبهت ليميني وجدت مالك يغط بالنوم فأيقضته مالك ؟ مالك؟ ؟ألم أيقضيك للواجب منذ لحظات ؟؟ قال : كلا اني لم أتحرك من مكاني ؟ فقلت في نفسي لا حول ولا قوة الا بالله .. من الرجل الذي ذهب للواجب اذن ؟ فنهضت بسرعة للنقطة فلم أجد أحدا" ؟ ما الذي يحدث ؟ من الرجل ؟ من الرجل الذي نهض للواجب من الرجل ؟ هل كان متسللا" من العدو ؟ ولو كان كذلك لظهرت أثار أرجله على الثلج وتتبعت فلم أجد أي أثر قدم في محيط الربية ......؟؟؟ ما الذي يحدث أيكون الجبل مسكونا" ؟ ؟أيكون مسكونا" ؟ بدأت تسألات وتسألات عن هذا المكان تأخذ كل تفكيري وأخشى البوح بها لئلا يخاف الرجال ؟
وقبيل الظهر وصلت الينا المؤن على البغال وبدأنا بالشواء والطبخ والثلج ما زال ينهمر بغزارة وتعجبنا من وصول المؤن في هذا البرد والبرَد وواقع الحال قضينا وقتا" طيبا" بالكرات الثلجية واللعب والمشاجرات حتى المساء وكنت قد انفردت أراقب وأستطلع الجبل والمكان جيدا" تحسبا" لآي طارىء وحددت خط الآنسحاب وتأمين الموقع البديل وأدخرت فيه مدافع هاون يدوية مع قنابرها وأسلحة خفيفة في احدى طيات الجبل وتحديد نقاط حراسة جديدة حتى جن الليل وبعد العشاء وزعت الواجبات لثلاثة نقاط شكل مثلث لآن الجو والبرد لا يسمح بالهجوم المقابل للعدو ونام الجند ولكني لم أستطع النوم , القلق والخوف ما زالا مسيطرين على سجيتي وكنت أدخن سيكارة عقب الآخرى حتى منتصف الليل عندها صاحبني أحمد وأخذنا نتجاذب أطراف الحديث عن القلعة وما سمعته فيها فبادرني القول ثم سكت لحظة وسألته ما بك تكلم ؟ قال : نحن نسمع أصوات وكأن أحد يهمس في آذاننا ولا نرى أحدا" هذا ما حدثني به الرجال وما حدث معي كذلك ....وفجأة سمعت أصوات أرجل تتقدم نحو الربية حيث صوت تهشم الجليد فأنتبهنا للحراس فأذا بهم يراقبون ومندهشون مما سمعوا ..... فحمدت الله انهم ليسوا نيام فأخذت مشعلا" فسفوريا" وشعلته فأضاء ما حول الربية فلم نرى شيئا" فأخذنا نتسأل سبب ومصدر الصوت ثم مر وقت أعقبه الهدوء وبقينا يقظين نترقب مع نصف قوة الربية حتى الضياء الأول للفجر وعندها تسللت قوة من العدو الربية فتعالت صيحات الحرس بالقتال والأشتباك معهم بالسلاح الأبيض فخرجت مسرعا" وبيدي حربة فرأيت مالك يضرب العدو بأخمص بندقيته يمينا"وشمالا" كالأسد الكاسر وما يقترب منه رجل" الا صرعه وشتت بقوته جمعهم وبدا لي وكأنه هو المهاجم وكذلك بقية الرجال ولم يكن هناك مجالا" للرمي لآن الاشتباك كان قريب جدا" فأشتبكت مع أحد رجال العدو فرفعته عاليا" وضربته أرضا" وأعقبته ضربتة" بأخمص البندقية على رأسه فلم يتحركوهجمت على أخر وضربته بحربة ببطنه فقتلته بالحال ولحقت أخرا" ففر خارج سياج الربية فلاحظت أن مدد العدو ليس بالقليل وهم يرومون انقاذ جماعتهم من قبضتنا وقتلنا الواحد بعد الآخر فأمرت بأخلاء الربية فصحت انسحاب انسحاب اتبعوني هيا هيا ..؟؟ فتبعني الرجال الى الموقع البديل فنزلنا أسفل الجبل وكانت حركتنا وانسحابنا منتظما" الى حد كبير....... تنفسنا الصعداء وحمدنا الله على سلامتنا ... وزعت الأسلحة الاحتياطية للمقاتلين وبدأنا بقصف الربية بالهاونات والقاذفات ورشقات البنادق لكي لا يستقروا فيها حتى اشتعلت النيران فيها ثم هجمنا بأطلاق نار كثيف لتطهيرها من دنس العدو ولما وطأتها أقدامنا لم نجد فيها أحدا" وقد أخلى العدو جميع جرحاه وقتلاه..... مشطنا ما حول الربية بأطلاق نار عشوائي كثيف وتبين أن لا أحد قريب منها .... تفقدنا أسلحتنا ومعداتنا فوجدناها كما هي بلا نقص وكأنهم لم يأخذوا شيئا".....الهاونات الخفيفة وكل الأسلحة والعتاد في مكانه ما عدا بعض قنابر الهاون انفجرت بفعل قصفنا للربية وكان بعض رجالي أصيبوا بجروح بدأ الطبيب بمعالجة جراحاتهم..... جلسنا نتحدث عن هجوم العدو وتوصلنا الى بعض النتائج المهمة منها ان العدو استخدم تمويها" عجيبا"بأرتداء رجاله الملابس البيضاء وهذا ما سبب عدم رؤية حركتهم وتقدمهم وكذلك أتوقع انهم تفاجؤا بوجودنا في الربية وأغلب الظن أنهم لم يكونوا يعلمون بوجودنا في هذه الربية وعليه لم يستخدموا العيارات النارية والهاونات عند وقبل الهجوم وبعد انكشاف قوتنا نتوقع أن يكون هجوم العدو القادم كبيرا" وواسعا" ..... وفكرت بزيادة الحراس.... نصف القوة تبقى بالحراسة ونصف ترتاح وبالتناوب دائما" وزدنا التحصينات والأسلاك الشائكة وزرعنا الألغام المضادة للأشخاص حول الربية حتى الظهر وتعبت والرجال من العمل المضني وبعدها تجمعنا لتناول الغداء وقد توقف سقوط الثلج فسمعنا نباح كلاب حول الأسلاك الشائكة فرمينا لها بعض الطعام و قد كانت جائعة جدا" عله تقوم بحراستنا ليلا" ..... ما أن جنً الليل حتى بدأت الكلاب تراقب وتحرس المنطقة ومرت الآيام وكنا نطعمها يوميا"حتى تعلمت وتعرفت علينا جميعا" والشىء الجيد بدأت هي بحراستنا وبالأخص ليلأ"وكنا ننام بطمأنينة وراحة الى أن سمعنا في ظهيرة أحد الآيام نباحها عاليا" وقويا" وكأنها تهاجم شيئا" في أسفل الجبل فنزلنا للتأكد فرأيتها تهاجم دبا" كبيرا" وهو يضربها بقوة عجيبة ما أن يضرب واحدا" منها حتى يقذفه بالهواء أو يرتطمه بالجبل بقوة فرميناه برشقات من الاطلاقات فولى هاربا" فأنقذنا الكلاب منه وقد جرح اثنان من أصل خمسة وحملناهما معنا الى الربية وعالجنا جروحها وبعد أيام استعادة عافيتها وبدت بالركض مع بقية الكلاب ......... في احدى الليالي كنت كعادتي أراقب المنطقة فرصدت أضواء العدو تتحرك بين الأودية فأنتبهت لجماعتي وقلت : أن العدو يتحرك على غير عادته واني أرى انه يروم الهجوم هذه الليلة فكونوا على حذر وبعد وقت قصيربدأ العدو بالقصف التمهيدي بأستخدام المدافع الثقيلة وبكثافة غير معهودة فأتصلنا بالمقر وعبرنا الموقف بأحتمال تعرضنا للهجوم ...
قلت للأمر: سيدي نحن نتعرض للهجوم ؟
قال السيد الآمر : أهدأ يا ولدي ما الذي تراه ؟ ما الذي يحدث ؟
قلت : سيدي العدو بدأ القصف بالمدافع الثقيلة وبكثافة عالية جدا"على غير العادة واحتمال هجومهم قريب ؟
قال : اصمدوا وواصل الاتصال معي ودمتم بأمان ....... مرت ساعات الليل والقصف ما زال مستمرا" ورصدنا أرتالا" للعدو تتقدم نحونا وبدأوا قصف الربية بالهاونات الخفيفة مع اطلاق نار كثيف ومستمر أخبروني جماعتي أن العدو بات قريبا" أصدرت الاوامر بعدم الرد حتى يقتربون أكثر ويصبحون ضمن مديات أسلحتنا وبالفعل اقتربوا بما فيه الكفاية ففتحنا وابلا" من النارعليهم وبكافة الوسائل المتاحة وقاتلناهم قتال المستميتين عالجنا القريبين منهم بالرمانات اليدوية أولا" والقاذفات ورشقات من الأطلاقات النارية وأمرت بقصف خطوط امداداتهم بالهاونات لأقطع طريق امداداتهم وبالتالي حصرهم في دائرة الموت ومع ساعات الصباح الأولى دحرنا هجوم وتقدم العدو ولم يستطيعوا الصمود أمام ضرباتنا المدروسة ؟ رأينا جثث قتلاهم ودماء جرحاهم كبساط أحمر أسفل الجبل . القصف المدفعي المعادي لم يتوقف بعد هزيمتهم وانسحابهم العشوائي وتوقعت أن العدو يعيد تنظيمه للهجوم مرة أخرى ولكن هذه المرة بقوة وزخم أكبر فقلت لجماعتي : يا جماعة هذه الليلة خطرة" جدا" وأتوقع أن العدو يهجم وينتقم لقتلاه فعليكم بالحذر أعدوا أسلحتكم وذخروا المخازن الاحتياطية للبنادق وجهزوا الهاونات والقاذفات فأنها معركة حاسمة هذه الليلة والله أعلم.... ولما حل الظلام بدأت تناوير العدو تتلألأ في السماء والقصف بدأ بشكل جنوني رشقات مدفعية كثيفة جدا" تعقبها رشقات تكاد تهدم الجبل والربية ونحن والله أرواحنا بلغت الحناجر وما أن سكتت مدافعهم الثقيلة بدأت قاذفاتهم والهاونات الخفيفة تقصف ربيتنا مرة" أخرى أيقنت وصول العدو على مقربة منا صحت الله أكبر وكبر المقاتلون معي فضربناهم بوابل من النيران المكثفة رشقات بي كي سي والرشاشات والقنابل اليدوية والهاونات حتى سكتت نيرانهم وأنسحبوا تحت ضربات مقاتلينا الشجعان حتى بان بياض الفجر لم نسمع منهم أية أطلاقة فأمرت بايقاف اطلاق الناروعندما أصبحنا تفقدت أطراف الربية فأندهشت لكثرة قتلاهم وكثرة الدماء على البساط الابيض اسفل الجبل.... مرت ساعات الظهيرة وبعد أن تناولنا وجبة الغداء رصد القناص بدربينه حركة قوة كبيرة للعدو تتقدم للهجوم فأتصلنا بالآمر وعبرنا له الموقف وطلبنا تعزيزات ورجال والا نحن لا نستطيع الصمود امام الهجمة القادمة الحاسمة للعدو رأينا الاستعدادات المذهلة للعدو ورصدنا تحرك أعداد لا حصر لها من الجند والعتاد فأتصلنا بالامر وقلت له : سيدي هذه نهايتنا ولن نستطيع المقاومة فقال : اصبر التعزيزات بالطريق اليكم ؟؟ وبدأ العدو هجومه الكاسح واستطعنا صد العدو من بدايته وسيطرنا على ساحة المعركة لكن العدو بدأ يهجم من جميع أطراف الجبل على غير عادته وبأعداد كبيرة فناديت بجماعتي أنه ليس أمامنا الا القتال وكانت لدينا مقطورة ماء بعجلات فأمرت بأفراغها من الماء وحشوتها بالبارود والقنابل ثم دفعناها فسقطت عليهم تحت الجبل وانفجرت وجعلت ممن كان بالقرب منها أشلاء" مبعثرة وبدأ القتال الشرس واطلاق النيران من الطرفين حتى الظهيرة ولم يتوقف القتال لحظة واحدة وبينما نحن كذلك صاح مالك ان صوت اطلاق نار كثيف يأتي من الجهة الخلفية هذا يعني حوصرنا من جميع الأطراف فأنتدب معي جماعة لفك الطوق فأخذنا نتحرك باتجاه خط الانسحاب فرايت كثافة النار لا تسمح بالحركة فمكثت غير بعيد عن الربية لاحاول أن ارى ماذا يمكن عمله لتأمين خط الانسحاب عند الضرورة ولما رأيت أن النيران لا تهدأ فعلمت أن لا مفر لنا من الموت فصعدت الربية وبعد العصر خفت حدة المعركة وقد أبلى مقاتلينا بلاء" حسنا" شجعان وأبطال بحق وحقيقة ؟؟؟ولم نفقد أحدا" بحمد الله غير مصابين وجرحى والطباخ زودنا بأرزاق الطوارىء فأكلنا وصوت المدفعية العدو ما زالت مستمرة واشتدت المعركة وأصبح الرصاص يصلنا من كل جانب ففتحنا عليهم النيران وتمكنا من دفعهم وابعادهم من الوصول للربية ثم أخذت قنابل يدوية واتجهت نحو خط الانسحاب لان القتل زاد في جماعتي بفعل القصف والنيران وان البقاء في الربية أصبح أمرا" مستحيلا" فقلت الموت هو الموت ان بقيت أو تحركت فأتجهت نحو خط الانسحاب وصحت بأحمد ومالك أمنوا لي الحركة فبدأو يرشقون الاطلاقات ليأمنوا لي الطريق فنزلت لمسافة بعيدة وانا أصيح اقتربوا وانزلوا معي وأنا على هذا الحال واذا بصيحة رجل قف من انت ارفع يديك ؟ قلت أنا عراقي . فقال ما تفعله هنا يا رجل ؟ قلت : أنا أمر رجال الربية في أعلى الجبل قال ما تقول ؟ قلت له : نعم رجالي ما زالوا في الربية أعلى الجبل ؟ قال : هل كنتم تقاومون العدو طيلة هذه الفترة قلت : نعم
قال : والله أنتم نعم الرجال نحن لساعات كنا نقاتلكم وتعجبنا لشجاعتكم وصمودكم الأسطوري؟؟ الذي كان يحدثني هو ملازما" شابا" فأمر قوته بلأنظمام لقوة الربية صعدت قبلهم لأمهد لهم الطريق ....... وبوصول التعزيزات والرجال قهرنا العدو وحسمنا المعركة لصالحنا وان صديقي مالك عندما حدد اطلاق النيران من جهة خط الانسحاب كان مصدرها قوة التعزيزات لانهم ما كانوا يظنون أننا أحياء وما زلنا مسيطرون على الربية بل كانوا على يقين بأننا في عداد الاموات ... لكن شاء الله أن يكتب لنا الحياة....
اخيرا" القصة مهداة الى أبطالها الحقيقيون أخي أبراهيم وعماد وشيرزاد ومالك وأحمد وجميع المقاتلين.........
في احدى الليلي الحالكة السواد كلفنا باخلاء مجموعة شهداء في أرض الحرام في منطقة جبلية تخللها أودية وأراضي مفتوحة الى حد ما تحركت المدرعة وما كنا لنرى الطريق لولا استخدامنا النواظير الليلية تحركناعلى سفح الجبل ونحن نخاف أن ترصدنا نيران العدو وبينما كنا نتقدم قال لي أحمد سائق المدرعة بصوت خافت ينتابه الخوف : هل ترى ذلك السواد على الآرض ؟
قلت : نعم أرى شبح شخص ممد على الأرض فأقتربنا منه بهدوء وجعلناه وسط فتحة الهروب ثم رفعنا جثة الشهيد من يديه وأكتافه الى داخل المدرعة التي يزمجر صوتها عاليا" في سكون الليل ثم تقدمنا ببطىء نبحث عن بقية الشهداء وكانت أوامرنا تقتضي البحث وفق نطاق محدد وما هي الا لحظات قليلة وعثرنا على شهيدين أخرين فأستطعنا اخلائهما ثم واصلنا التقدم ونحن نسمع صوت رشقات من الأطلاقات والتناوير التي تظىء أرض الحرام وكنا نتوقف عن المسير لحين انطفائها حتى لايرصد العدو حركة المدرعة وبينما كنا نتقدم عثرنا على شهيد رابع وعندما انتهى الى المدرعة تلقينا الامر بالرجوع الى مقر الكتيبة وحقيقة قطعنا مسافة ليست بالقليلة وسط الظلام والخوف والتعرض لنيران العدو والكمائن والقتل بأي لحظة مسألة ليست بالهينة على أية حال .....
قلت : تحرك يا أحمد فقد انجزت المهمة ؟ وبدأت المدرعة بصوتها العالي بالتحرك والرجوع فأخرجت لفافة سكائر وقدمتها له وطبعا" الرجل لم يردها ولم ينطق بالشكر على عادته وأخرجت لفافة أخرى وسألته ... هل معك جداحة ؟
قال : لا
قلت : وكيف ندخن ؟ فجأة" ظهرت شعلة نار في المدرعة ؟ فضغط أحمد على دواسة الوقوف بقوة فتوقفت المدرعة بسرعة وتقىء الرجل من شدة الخوف ولم أستطيع أن أحرك رأسي أو ألتفت للوراء من شدة الخوف وهول الصدمة ؟
ومرت لحظات مخيفة مرعبة هل هذا الذي معنا جن أم بشر ؟ واستطعت التقاط أنفاسي والتفت واذا برجل جالس خلفنا وبيده جداحة مشتعلة وعلى ضوئها رأيت الجروح البليغة في جسمه .... سحبت أقسام بندقيتي وأنزلت الرجل من الباب الخلفي بالركلات واللكمات باليد والبندقية وأردت قتله لولا اعتراض أحمد وحجبه عني .. ثم بدأنا الرجوع نحو مقر الكتيبة وقريب الفجر وصلنا مقر الكتيبة ونقلوا الجريح نحو الوحدة الطبية لآسعافه والشهداء نحو الثلاجة طبعا" ........وذهبنا أنا وأحمد نحو الملجأ حيث كنا نعيش أيامنا التعيسة .. وبعد ساعات مضت أرسل الآمر بطلبي ... ففكرت _1_
ما الذي يريده الآمر المزعج الحاد الطبع مني ؟ فوصلت لغرفته وحرس الباب
أستأذن منه فدخلت فقال لي بصوت أجش : لماذا أشبعت الجريح ضربا" وأنت معروف" لدينا بالشجاعة والعقل قلت له سيدي انه تشبه بالميت ولم يصدر أي صوت عند رفعه واخلائه وقد جمدت دمائنا عندما شعل النار بالمدرعة ؟ لاحظت انه لم يعر أي اهتماما" لجوابي وقبل أن أتمم كلامي نادى الحرس وأمر بحبسي لآجل لم يحدده فأخذني الحراس نحو السجن فرأيت فيه سجينين لم أتعرف عليهما يوما فجلست وظهري الى الحائط وأنا أشتاط غيظا" وقلت لهما ان سمعت منكما صوتا" فنهايتكما تكون على يدي فضحك الآول مستهزئا" فنهضت وأخذت بيده وضربته بالحائط وبدأت أشبعه لكمات على وجهه وجسمه وبدأ بصياح عالي جدا"ولما رأى الثاني ما صنعت بصاحبه تسلق الباب ليصل الى فتحة التهوية محاولا" الهروب فلحقته وقبضت رجله وضربته بالآرض بقوة وبدأ بالصياح هو الآخر ولحظات واذا بالحراس ينقذوهما من بطشتي فأوثقوا يدي وأبلغوا الآمر بأني فقدت عقلي وبدأت بضرب السجناء بدون أي سبب فأمر بحبسي في سجن القلعة فلما أخذوني السجن لم أرى حراس أو أي مفرزة عسكرية لحمايته مجرد أن فتحوا باب القلعة دفعوني الى الداخل وأغلقوا الباب بالمزلاج وقالوا مستهزئين أوقاتا" طيبة وأنصرفوا تاركيني وحدي في السجن.... مرت ساعات النهار بطيئة ومملة تسائلت مع نفسي لماذا أنا وحدي في هذا السجن الكبير وعادة" تكون السجون مكتضة بالسجناء والحراس لماذا؟ أحسست بالغربة والوحدة وأخذتني ساعة الحنين الى أهلي وناسي حتى غربت الشمس قلت في نفسي أفضل شىء أفعله هو النوم حيث الليل وضوء القمر بدأ ينساب في القلعة ليضىء أطرافا منها وقلت في نفسي أفضل شىء أفعله الآن هو النوم فغمضت عيني وبدأت رحلتي مع النوم مرت لحظات الهدوء الممل وفجأة سمعت صوت طرق باب القلعة ثم تكرر طرقه ثانيا" فتعجبت حقيقة" وقلت في نفسي من يطرق الباب في هذه الساعة من الليل هل هم الحراس ؟ هل الآمر أفرج عني ؟ هل سأذهب لجماعتي وأصدقائي ؟ فصحت بصوت عال من الطارق ؟ لماذا لا تدخل ؟ وفجأة" سمعت صياح وعويل وكلام غير مفهوم وضحك هستيري يسمع في جميع أرجاء القلعة وبدأت أسمع صفير وأصوات تقترب مني حيث أنا جالس قلت يا الهي أرحمني واحفظني مما أنا فيه يا رب يا رب ؟؟ وبعد لحظات هدئت الاصوات وقلت الحمد لله ومع كل هذا ولم أرى أي شىء ؟؟؟ وتسائلت من الذي أصدر كل هذه الاصوات من ؟ ومر الوقت علي وأنا أشعر بالبرد والجوع والخوف ولا أحد حولي لآتكلم معه ولآشعر بالآمان وبعد لحظات بدأت أسمع صيحات وبكاء وعويل نساء وأصوات لم أعهدها من قبل أصوات ركل أيواب القلعة والضرب على جميع الجدران وأصوات وأصوات ؟؟؟ وريح قوية تلامس جسدي ومعها أصوات مرعبة قلت أنا سأموت من خوفي لا محالة فمزقت قميصي وجعلت منه حشوات دفعتها في أذني وبقية القميص جعلته غطاء" على وجهي ومع شدة الخوف تذكرت تسبيحات أبي ودعائه بحفظنا وأمة الآسلام فبدأت أسبح بأسم الله العظيم وبالصلوات وقراءة أية الكرسي حتى صباح اليوم التالي ..... حين فتح باب القلعة واذا بجنود ينادونني بأسمي انهض عريف ابراهيم هل أنت بخير فصحت من ؟ من ؟ قالوا لاتخف هل تعرفنا من نحن ؟ قلت بصوت تعب و يرتجف : نعم قالوا جئنا لآخراجك من هذه القلعة المشؤومة فخرجت منها بقميص ممزق وحال يرثى له وقفت وكدت أسقط من شدة التغب والخوف فقال لي أحدهم : هل تعرف أن أربعة جنود سجنوا قبلك في هذه القلعة وهل عرفت مصيرهم ؟ قلت : لا
قال رئيس الحرس : اثنان منهم ماتوا من شدة الخوف ولآخران تجننوا تماما" والعجب انك في كامل قواك العقلية والحمد لله .
ثم تابع قوله ان هذه القلعة مسكونة بأرواح شريرة وجنون حدثنا عما رأيت وسمعت ؟
قلت : اني لم أرى شيئ" ولكن سمعت ما لا أحب أن أحدثكم به .
قالوا بالله عليك أن تحدثنا بالذي جرى قلت مستحيل .... ثم بدأنا نقترب شيئأ" فشيئا" لمقر الكتيبة فلما وصلنا تلقوني جماعتي بالتحية والمحبة وحمدوا الله على سلامتي فمكثت ساعات وأنا طريح الفراش لا أقوى على التكلم وكان أحمد يلازمني كظلي ويداريني في كل احتياجاتي والحقيقة أقول الكل كانوا يساعدونني وهذه من غيرة وشهامة أهلنا والحمد لله .....وبعد أيام أستعد قواي وتحسنت صحتي وظل سر القلعة معي ولم أبوح به لآحد ......... وبينما كنت مشغولا" أرسل الآمر بطلبي فدخلت عليه قريب المغرب وعلى ضوء خافت قال لي : ستخرج أنت وحضيرتك دورية قتالية في أرض الحرام وأياك والخطأ مفهوم أمامك ساعة من الآن وحتى الضياء الآول وترجعون أدراجكم وسأكون على أتصال معكم عبر اللاسلكي أنصرف ...
وبدأت فورا" بتهيئة الدورية بالامتعة السفرية والآسلحة والرمانات اليدوية وبدأنا بالتحرك ليلا" وكان الجو بارد جدا" مع رياح وزخات مطر خفيفة خرجنا مشاة" بالنزول من الجبل ومع مسيرنا برتل أحادي كل خلف الآخر وبعد نزولنا من الجبل افترقنا لمجموعات ثنائية وسمعت صديقي عماد يحدث شيرزاد : هل يتوقف المطر اليوم ؟ قال شيرزاد :لا أعتقد هذا ...وأعتقد أن الضباب سيكون كثيفا" يوم غد ... ثم بدأنا نسير بأرض مستوية وبينما نحن نسير اقتربنا من مقبرة قديمة يقول صديقي عماد كنت أسير وخلفي شيرزاد عبر المقبرة القديمة وكان ضوء القمر ينساب من بين الغيوم على القبور القديمة وكنت أشعر بقشعريرة البرد وتكاد يداي تجمد على قبضة البندقية وفجأة رأيت أمامي ظهور ثلاثة أشخاص فأمعنت النظر وأنبطحت بين القبور مسددا" بندقيتي نحوهم وفي هذه اللحظة التفت الى شيرزاد رأيته متخذا" وضع الانبطاح خلفي وبذلك تأكدت بأني ما أرى هو حقيقي وليس تهيئا" وهمست لشيرزاد هل ترى هؤلاء الرجال ؟ رد بصوت خائف : نعم أراهم من أين ظهروا؟ وكان الرجل يمشون ويبتعدون عنا لكن أشباح بلا أرجل ؟؟؟؟؟؟؟؟ فتمالكنا أنفسنا حتى غابوا عنا وبدأنا مواصلة المسير .... أما أنا فتسلقت راقما" مهما" ووصلت اليه قريب الفجر فأتصل بي الآمر وأمرني أن أسيطر على الراقم حتى تأتيني التعزيزات والرجال ...... وقبل الظهر كانت الدورية جميعا" على الجبل ... وبدأنا بحفر الخنادق القتالية واحاطة القمة بأكياس التراب شبيهة بسياج البيت وبدأ الطباخ بطبخ الغداء لنا وعددنا يتجاوز العشرون مقاتلا" . ... وبعد وجبة الغداء أحسست بالدفئ وجمع الجنود حطبا" وأحرقناه لنستمتع بدفئه ومرت ساعات النهار واستطعنا من بناء غرفة ومطبخ صغير وسقفناه بما معنا من أكياس وجذوع الشجر ليحمينا من المطر والبرد ........ والحقيقة كان الجنود قد أخذ منهم التعب مأخذا" كبيرا" قد نام قسم منهم والقسم الآخر نام بالمطبخ أما أنا فجلست بالقرب من النار خارج الغرفة وبدأ الليل يستر بظلامه الجبال والوديان والمخابر معي يحاول اللآتصال بالكتيبة .. وبينما كنا جلوسا" سألني المخابر ... ما الذي رأيته في القلعة ؟ فقلت: لا شىء .
قال : حسنا" ان كنت لا تريد أخباري هذا شأنك ولكن سأخبرك بشئ" عن نفسي.
قلت : ما الذي تريد قوله ؟
قال : أنا مخابر الآول في الكتيبة في أول يوم نقلي الى المقر نمت في وقت متأخر من تلك الليلة المشؤومة في ذلك المكان المشؤوم في ملجأ المخابرة عند سفح الجبل ولما أستيقظت صباحا" وجدت نفسي في المقبرة ؟؟ هل تصدقني أم لا ؟
قلت : كيف حدث هذا والمسافة ليست بقليلة ؟
قال : هذا ما حدث ؟ وأبلغت الآمر بما حدث وقال له غيري أن المقبرة تصدر منها أصواتا" غير معهودة صفير وصياح وعويل ذهب ضحيته أربعة من مقاتلينا فأخذ ومنها فهل علمت ذلك ؟
قلت :لا وبينما كان المخابر مسترسلا" بكلامه لاحظت ظهور ضوء خافت وعلى مسافة بعيدة من أسفل الجبال المقابلة لنا .. بدأت بمراقبة المكان وقلت في نفسي ربما يكون عابر سبيل أو مهرب بضائع أو من هذا القبيل ...... وبقيت أرصد بأمعان المكان والبرد بدأ يشتد وسط ظلام دامس وبعد لحظات ظهرت أضواء أخرى فقررت أخذ الحيطة والحذر فأمرت بحضور نصف القوة للواجب الليلي بعد أن نام الجند عدة ساعات وتفحصت استعدادهم وزعتهم على نقاط الحراسة وهممت بالنوم لآني كنت تعب جدا" فوضعت رأسي على الوسادة وبدلا" من النوم بدأت تراودني مخاوف وأسئلة ما نفعل ان هجم العدو علينا ؟ كيف اذا نفذ العتاد ؟ ما تلك الآضواء البعيدة ؟؟؟ بدأت التقلب بمضجعي ولم أعرف حتى طعم النوم ؟؟؟؟؟؟؟؟ الخوف والقلق والبرد لم يدعني أنام فقلت لآحمد وكان مستلقيا"
قلت أحمد : هل أنت راقد ؟
قال : ما تريد ؟
قلت : رأيت أضواء" على مسافات بعيدة منا ولكن أنا خائف لئلا تكون تحضيرات العدو للهجوم ؟
قال : بالله عليك دعنا ننام ليلتنا وأني لا أظن هناك أي هجوم محتمل فقد علمتنا التجارب استعدادات العدو للهجوم تتطلب وقتا" طويلا" وأنت تعرف هذا أفضل منا جميعا" أطلق عنانك للنوم فأنت أكثرنا تعبا" هذه الساعة ؟ فقلت في نفسي كلامه صحيح فقلت له : نعم حقيقة" أنا تعبان جدا" سأنام الآن تصبح على خير ...... وفعلا" أحسست بالراحة عندما نبهني عن استعدادات العدو وبأن احتمال الهجوم بعيد فنمت طول الليلة حتى قريب الفجر استيقظت ورحت أستطلع نقاط الحراسة فوجدهم جميعا" نيام ورأيت الجليد بدأ بالهطول ليكسي الوديان و قمم الجبال بساطا" أبيضا" فشعلت لفافة سكائر سومرية ودأت أدخن والهواء البارد يداعب وجنتي ويكاد يصل الى عظامي فراقبت مصدر الآضواء التي رأيتها قبلا" فلم أراها فقلت الحمد لله الذي سترنا من الهجوم فلما انثق الفجر كان كل شىء حولي أبيضا" والثلج بدأ تساقطه بغزارة فرجعت للغرفة وقد علا بياض الفجر والثلج على كل شىء وأيقظت مالك للحراسة فأنتبه الرجل الشرس لجعبته وبندقيته وانصرف للواجب فتمددت لآخذ قسطا" من الراحة وسحبت البطانيات على رجلي المتجمدتين وتطلعت عيناي لآكياس التراب وبناء الربية فقلت في نفسي متى تنتهي هذه الحرب اللعينة ويعم السلام على هذه الآرض والى متى ينقضي هذا العمر بين أكياس الرمل وبينما أنا كذلك انتبهت ليميني وجدت مالك يغط بالنوم فأيقضته مالك ؟ مالك؟ ؟ألم أيقضيك للواجب منذ لحظات ؟؟ قال : كلا اني لم أتحرك من مكاني ؟ فقلت في نفسي لا حول ولا قوة الا بالله .. من الرجل الذي ذهب للواجب اذن ؟ فنهضت بسرعة للنقطة فلم أجد أحدا" ؟ ما الذي يحدث ؟ من الرجل ؟ من الرجل الذي نهض للواجب من الرجل ؟ هل كان متسللا" من العدو ؟ ولو كان كذلك لظهرت أثار أرجله على الثلج وتتبعت فلم أجد أي أثر قدم في محيط الربية ......؟؟؟ ما الذي يحدث أيكون الجبل مسكونا" ؟ ؟أيكون مسكونا" ؟ بدأت تسألات وتسألات عن هذا المكان تأخذ كل تفكيري وأخشى البوح بها لئلا يخاف الرجال ؟
وقبيل الظهر وصلت الينا المؤن على البغال وبدأنا بالشواء والطبخ والثلج ما زال ينهمر بغزارة وتعجبنا من وصول المؤن في هذا البرد والبرَد وواقع الحال قضينا وقتا" طيبا" بالكرات الثلجية واللعب والمشاجرات حتى المساء وكنت قد انفردت أراقب وأستطلع الجبل والمكان جيدا" تحسبا" لآي طارىء وحددت خط الآنسحاب وتأمين الموقع البديل وأدخرت فيه مدافع هاون يدوية مع قنابرها وأسلحة خفيفة في احدى طيات الجبل وتحديد نقاط حراسة جديدة حتى جن الليل وبعد العشاء وزعت الواجبات لثلاثة نقاط شكل مثلث لآن الجو والبرد لا يسمح بالهجوم المقابل للعدو ونام الجند ولكني لم أستطع النوم , القلق والخوف ما زالا مسيطرين على سجيتي وكنت أدخن سيكارة عقب الآخرى حتى منتصف الليل عندها صاحبني أحمد وأخذنا نتجاذب أطراف الحديث عن القلعة وما سمعته فيها فبادرني القول ثم سكت لحظة وسألته ما بك تكلم ؟ قال : نحن نسمع أصوات وكأن أحد يهمس في آذاننا ولا نرى أحدا" هذا ما حدثني به الرجال وما حدث معي كذلك ....وفجأة سمعت أصوات أرجل تتقدم نحو الربية حيث صوت تهشم الجليد فأنتبهنا للحراس فأذا بهم يراقبون ومندهشون مما سمعوا ..... فحمدت الله انهم ليسوا نيام فأخذت مشعلا" فسفوريا" وشعلته فأضاء ما حول الربية فلم نرى شيئا" فأخذنا نتسأل سبب ومصدر الصوت ثم مر وقت أعقبه الهدوء وبقينا يقظين نترقب مع نصف قوة الربية حتى الضياء الأول للفجر وعندها تسللت قوة من العدو الربية فتعالت صيحات الحرس بالقتال والأشتباك معهم بالسلاح الأبيض فخرجت مسرعا" وبيدي حربة فرأيت مالك يضرب العدو بأخمص بندقيته يمينا"وشمالا" كالأسد الكاسر وما يقترب منه رجل" الا صرعه وشتت بقوته جمعهم وبدا لي وكأنه هو المهاجم وكذلك بقية الرجال ولم يكن هناك مجالا" للرمي لآن الاشتباك كان قريب جدا" فأشتبكت مع أحد رجال العدو فرفعته عاليا" وضربته أرضا" وأعقبته ضربتة" بأخمص البندقية على رأسه فلم يتحركوهجمت على أخر وضربته بحربة ببطنه فقتلته بالحال ولحقت أخرا" ففر خارج سياج الربية فلاحظت أن مدد العدو ليس بالقليل وهم يرومون انقاذ جماعتهم من قبضتنا وقتلنا الواحد بعد الآخر فأمرت بأخلاء الربية فصحت انسحاب انسحاب اتبعوني هيا هيا ..؟؟ فتبعني الرجال الى الموقع البديل فنزلنا أسفل الجبل وكانت حركتنا وانسحابنا منتظما" الى حد كبير....... تنفسنا الصعداء وحمدنا الله على سلامتنا ... وزعت الأسلحة الاحتياطية للمقاتلين وبدأنا بقصف الربية بالهاونات والقاذفات ورشقات البنادق لكي لا يستقروا فيها حتى اشتعلت النيران فيها ثم هجمنا بأطلاق نار كثيف لتطهيرها من دنس العدو ولما وطأتها أقدامنا لم نجد فيها أحدا" وقد أخلى العدو جميع جرحاه وقتلاه..... مشطنا ما حول الربية بأطلاق نار عشوائي كثيف وتبين أن لا أحد قريب منها .... تفقدنا أسلحتنا ومعداتنا فوجدناها كما هي بلا نقص وكأنهم لم يأخذوا شيئا".....الهاونات الخفيفة وكل الأسلحة والعتاد في مكانه ما عدا بعض قنابر الهاون انفجرت بفعل قصفنا للربية وكان بعض رجالي أصيبوا بجروح بدأ الطبيب بمعالجة جراحاتهم..... جلسنا نتحدث عن هجوم العدو وتوصلنا الى بعض النتائج المهمة منها ان العدو استخدم تمويها" عجيبا"بأرتداء رجاله الملابس البيضاء وهذا ما سبب عدم رؤية حركتهم وتقدمهم وكذلك أتوقع انهم تفاجؤا بوجودنا في الربية وأغلب الظن أنهم لم يكونوا يعلمون بوجودنا في هذه الربية وعليه لم يستخدموا العيارات النارية والهاونات عند وقبل الهجوم وبعد انكشاف قوتنا نتوقع أن يكون هجوم العدو القادم كبيرا" وواسعا" ..... وفكرت بزيادة الحراس.... نصف القوة تبقى بالحراسة ونصف ترتاح وبالتناوب دائما" وزدنا التحصينات والأسلاك الشائكة وزرعنا الألغام المضادة للأشخاص حول الربية حتى الظهر وتعبت والرجال من العمل المضني وبعدها تجمعنا لتناول الغداء وقد توقف سقوط الثلج فسمعنا نباح كلاب حول الأسلاك الشائكة فرمينا لها بعض الطعام و قد كانت جائعة جدا" عله تقوم بحراستنا ليلا" ..... ما أن جنً الليل حتى بدأت الكلاب تراقب وتحرس المنطقة ومرت الآيام وكنا نطعمها يوميا"حتى تعلمت وتعرفت علينا جميعا" والشىء الجيد بدأت هي بحراستنا وبالأخص ليلأ"وكنا ننام بطمأنينة وراحة الى أن سمعنا في ظهيرة أحد الآيام نباحها عاليا" وقويا" وكأنها تهاجم شيئا" في أسفل الجبل فنزلنا للتأكد فرأيتها تهاجم دبا" كبيرا" وهو يضربها بقوة عجيبة ما أن يضرب واحدا" منها حتى يقذفه بالهواء أو يرتطمه بالجبل بقوة فرميناه برشقات من الاطلاقات فولى هاربا" فأنقذنا الكلاب منه وقد جرح اثنان من أصل خمسة وحملناهما معنا الى الربية وعالجنا جروحها وبعد أيام استعادة عافيتها وبدت بالركض مع بقية الكلاب ......... في احدى الليالي كنت كعادتي أراقب المنطقة فرصدت أضواء العدو تتحرك بين الأودية فأنتبهت لجماعتي وقلت : أن العدو يتحرك على غير عادته واني أرى انه يروم الهجوم هذه الليلة فكونوا على حذر وبعد وقت قصيربدأ العدو بالقصف التمهيدي بأستخدام المدافع الثقيلة وبكثافة غير معهودة فأتصلنا بالمقر وعبرنا الموقف بأحتمال تعرضنا للهجوم ...
قلت للأمر: سيدي نحن نتعرض للهجوم ؟
قال السيد الآمر : أهدأ يا ولدي ما الذي تراه ؟ ما الذي يحدث ؟
قلت : سيدي العدو بدأ القصف بالمدافع الثقيلة وبكثافة عالية جدا"على غير العادة واحتمال هجومهم قريب ؟
قال : اصمدوا وواصل الاتصال معي ودمتم بأمان ....... مرت ساعات الليل والقصف ما زال مستمرا" ورصدنا أرتالا" للعدو تتقدم نحونا وبدأوا قصف الربية بالهاونات الخفيفة مع اطلاق نار كثيف ومستمر أخبروني جماعتي أن العدو بات قريبا" أصدرت الاوامر بعدم الرد حتى يقتربون أكثر ويصبحون ضمن مديات أسلحتنا وبالفعل اقتربوا بما فيه الكفاية ففتحنا وابلا" من النارعليهم وبكافة الوسائل المتاحة وقاتلناهم قتال المستميتين عالجنا القريبين منهم بالرمانات اليدوية أولا" والقاذفات ورشقات من الأطلاقات النارية وأمرت بقصف خطوط امداداتهم بالهاونات لأقطع طريق امداداتهم وبالتالي حصرهم في دائرة الموت ومع ساعات الصباح الأولى دحرنا هجوم وتقدم العدو ولم يستطيعوا الصمود أمام ضرباتنا المدروسة ؟ رأينا جثث قتلاهم ودماء جرحاهم كبساط أحمر أسفل الجبل . القصف المدفعي المعادي لم يتوقف بعد هزيمتهم وانسحابهم العشوائي وتوقعت أن العدو يعيد تنظيمه للهجوم مرة أخرى ولكن هذه المرة بقوة وزخم أكبر فقلت لجماعتي : يا جماعة هذه الليلة خطرة" جدا" وأتوقع أن العدو يهجم وينتقم لقتلاه فعليكم بالحذر أعدوا أسلحتكم وذخروا المخازن الاحتياطية للبنادق وجهزوا الهاونات والقاذفات فأنها معركة حاسمة هذه الليلة والله أعلم.... ولما حل الظلام بدأت تناوير العدو تتلألأ في السماء والقصف بدأ بشكل جنوني رشقات مدفعية كثيفة جدا" تعقبها رشقات تكاد تهدم الجبل والربية ونحن والله أرواحنا بلغت الحناجر وما أن سكتت مدافعهم الثقيلة بدأت قاذفاتهم والهاونات الخفيفة تقصف ربيتنا مرة" أخرى أيقنت وصول العدو على مقربة منا صحت الله أكبر وكبر المقاتلون معي فضربناهم بوابل من النيران المكثفة رشقات بي كي سي والرشاشات والقنابل اليدوية والهاونات حتى سكتت نيرانهم وأنسحبوا تحت ضربات مقاتلينا الشجعان حتى بان بياض الفجر لم نسمع منهم أية أطلاقة فأمرت بايقاف اطلاق الناروعندما أصبحنا تفقدت أطراف الربية فأندهشت لكثرة قتلاهم وكثرة الدماء على البساط الابيض اسفل الجبل.... مرت ساعات الظهيرة وبعد أن تناولنا وجبة الغداء رصد القناص بدربينه حركة قوة كبيرة للعدو تتقدم للهجوم فأتصلنا بالآمر وعبرنا له الموقف وطلبنا تعزيزات ورجال والا نحن لا نستطيع الصمود امام الهجمة القادمة الحاسمة للعدو رأينا الاستعدادات المذهلة للعدو ورصدنا تحرك أعداد لا حصر لها من الجند والعتاد فأتصلنا بالامر وقلت له : سيدي هذه نهايتنا ولن نستطيع المقاومة فقال : اصبر التعزيزات بالطريق اليكم ؟؟ وبدأ العدو هجومه الكاسح واستطعنا صد العدو من بدايته وسيطرنا على ساحة المعركة لكن العدو بدأ يهجم من جميع أطراف الجبل على غير عادته وبأعداد كبيرة فناديت بجماعتي أنه ليس أمامنا الا القتال وكانت لدينا مقطورة ماء بعجلات فأمرت بأفراغها من الماء وحشوتها بالبارود والقنابل ثم دفعناها فسقطت عليهم تحت الجبل وانفجرت وجعلت ممن كان بالقرب منها أشلاء" مبعثرة وبدأ القتال الشرس واطلاق النيران من الطرفين حتى الظهيرة ولم يتوقف القتال لحظة واحدة وبينما نحن كذلك صاح مالك ان صوت اطلاق نار كثيف يأتي من الجهة الخلفية هذا يعني حوصرنا من جميع الأطراف فأنتدب معي جماعة لفك الطوق فأخذنا نتحرك باتجاه خط الانسحاب فرايت كثافة النار لا تسمح بالحركة فمكثت غير بعيد عن الربية لاحاول أن ارى ماذا يمكن عمله لتأمين خط الانسحاب عند الضرورة ولما رأيت أن النيران لا تهدأ فعلمت أن لا مفر لنا من الموت فصعدت الربية وبعد العصر خفت حدة المعركة وقد أبلى مقاتلينا بلاء" حسنا" شجعان وأبطال بحق وحقيقة ؟؟؟ولم نفقد أحدا" بحمد الله غير مصابين وجرحى والطباخ زودنا بأرزاق الطوارىء فأكلنا وصوت المدفعية العدو ما زالت مستمرة واشتدت المعركة وأصبح الرصاص يصلنا من كل جانب ففتحنا عليهم النيران وتمكنا من دفعهم وابعادهم من الوصول للربية ثم أخذت قنابل يدوية واتجهت نحو خط الانسحاب لان القتل زاد في جماعتي بفعل القصف والنيران وان البقاء في الربية أصبح أمرا" مستحيلا" فقلت الموت هو الموت ان بقيت أو تحركت فأتجهت نحو خط الانسحاب وصحت بأحمد ومالك أمنوا لي الحركة فبدأو يرشقون الاطلاقات ليأمنوا لي الطريق فنزلت لمسافة بعيدة وانا أصيح اقتربوا وانزلوا معي وأنا على هذا الحال واذا بصيحة رجل قف من انت ارفع يديك ؟ قلت أنا عراقي . فقال ما تفعله هنا يا رجل ؟ قلت : أنا أمر رجال الربية في أعلى الجبل قال ما تقول ؟ قلت له : نعم رجالي ما زالوا في الربية أعلى الجبل ؟ قال : هل كنتم تقاومون العدو طيلة هذه الفترة قلت : نعم
قال : والله أنتم نعم الرجال نحن لساعات كنا نقاتلكم وتعجبنا لشجاعتكم وصمودكم الأسطوري؟؟ الذي كان يحدثني هو ملازما" شابا" فأمر قوته بلأنظمام لقوة الربية صعدت قبلهم لأمهد لهم الطريق ....... وبوصول التعزيزات والرجال قهرنا العدو وحسمنا المعركة لصالحنا وان صديقي مالك عندما حدد اطلاق النيران من جهة خط الانسحاب كان مصدرها قوة التعزيزات لانهم ما كانوا يظنون أننا أحياء وما زلنا مسيطرون على الربية بل كانوا على يقين بأننا في عداد الاموات ... لكن شاء الله أن يكتب لنا الحياة....
اخيرا" القصة مهداة الى أبطالها الحقيقيون أخي أبراهيم وعماد وشيرزاد ومالك وأحمد وجميع المقاتلين.........
محمود الربيعي- v.i.p في الشبكة
رد: أرض الحرام .... قصة حقيقية
شكرا لك اخي محمد على القصة الجميلة
مع ان فيها شيئا من الغموض
فلم اعرف من العدو وما جنسيته واين مكان المعركة بالظبط
وما جنسية الابطال
ايضا لم اعرف القلعه اين وما هي الاصوات الي كانوا يسموعها بين حين واخر
لكن مع كل هذا
فقصتك اخذتني في عالم الشوق لاكمالها والتمنعن في مفرداتها جميعا
احسنت الاختيار اخي الحبيب
مع ان فيها شيئا من الغموض
فلم اعرف من العدو وما جنسيته واين مكان المعركة بالظبط
وما جنسية الابطال
ايضا لم اعرف القلعه اين وما هي الاصوات الي كانوا يسموعها بين حين واخر
لكن مع كل هذا
فقصتك اخذتني في عالم الشوق لاكمالها والتمنعن في مفرداتها جميعا
احسنت الاختيار اخي الحبيب
iraqnt- إدارة الموقع
مواضيع ذات صلة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى